أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٧
فماذا يا ترى يريد المنصور من قوله للواعظ: عظني، وماذا يعني بإطراقه بعد ذلك وسكوته، هل يريد الاستهزاء بالدين الذي نهى عن قتل النفس وسفك الدماء، أو يريد شيئا آخر؟! وليت شعري أين كان المؤرخون وأصحاب الكلمات الصادقة المنصفة من هذه المواقف المخزية التي تقشعر لها الأبدان، وهم يتحدثون عن هذا الرجل الذي ما آلوا يشيدون بذكره ويمجدون بأعماله، وهلا تأمل القراء في سيرة هذا الرجل ليدركوا ذلك الخطأ الكبير.
بلى إن هذا الرجل أسرف في القتل كثيرا، وكان للعلويين النصيب الأكبر، وحصة الأسد من هذا الظلم الكبير.
يقول المسعودي: جمع المنصور أبناء الحسن، وأمر بجعل القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم، وحملهم في محامل مكشوفة وبغير وطاء، تماما كما فعل يزيد بن معاوية بعيال الحسين. ثم أودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار، وأشكلت أوقات الصلاة عليهم، فجزأوا القرآن خمسة أجزاء، فكانوا يصلون على فراغ كل واحد من حزبه، وكانوا يقضون الحاجة الضرورية في مواضعهم، فاشتدت عليهم الرائحة، وتورمت أجسادهم، ولا يزال الورم يصعد من القدم حتى يبلغ الفؤاد، فيموت صاحبه مرضا وعطشا وجوعا (1).
وقال ابن الأثير: دعا المنصور محمد بن عبد الله العثماني، وكان أخا لأبناء الحسن من أمهم، فأمر بشق ثيابه حتى بانت عورته، ثم ضرب مائة وخمسون سوطا، فأصاب سوط منها وجهه فقال: ويحك أكفف عن وجهي، فقال المنصور للجلاد: الرأس الرأس، فضربه على رأسه ثلاثين سوطا، وأصاب إحدى عينيه فسالت على وجهه، ثم قتله - ثم ذكر -: وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن، وكان أحس الناس صورة، فقال له: أنت الديباج الأصفر، لأقتلنك قتلة

(1) مروج الذهب 3: 310 ط سنة 1948 م.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»