أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٢٩
مفيدا في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم طريقا إلى العلم بالعدم!! وكم لهذا السؤال من نظائر في التشريع الإسلامي، فيقيم البسطاء عدم العلم بالفائدة، مقام العلم بعدمها، وهذا من أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، ولا شك أن عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأمور المهمة في عالم التكوين والتشريع، بل لا تفهم مصلحة كثير من سننه، وإن كان فعله سبحانه منزها عن العبث، بعيدا عن اللغو.
وعلى ذلك فيجب علينا التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.
الثاني: إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور، وعدم الاستفادة من وجوده، فهذا مصاحب موسى كان وليا، لجأ إليه أكبر أنبياء الله في عصره، فقد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون ليصونها عن غصب الملك، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه، وإلا لصدوه عن الخرق، جهلا منهم بغاية علمه. كما أنه بنى الجدار، ليصون كنز اليتيمين، فأي مانع حينئذ من أن يكون للإمام الغائب في كل يوم وليلة تصرف من هذا النمط من التصرفات. ويؤيد ذلك ما دلت عليه الروايات من أنه يحضر الموسم في أشهر الحج، ويحج ويصاحب الناس، ويحضر المجالس، كما دلت على أنه يغيث المضطرين، ويعود المرضى، وربما يتكفل - بنفسه الشريفة - قضاء حوائجهم، وإن كان الناس لا يعرفونه.
الثالث: المسلم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته، وأما عدم وصول الخواص إليه، فليس بأمر مسلم، بل الذي دلت عليه الروايات خلافه، فالصلحاء من الأمة الذين يستدر بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه، والاستفادة من نور وجوده، وبالتالي تستفيد الأمة بواسطتهم.
الرابع: لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي - أرواحنا له الفداء -
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»