العباس إلى أن يتكفل كل واحد منهما واحدا من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة وجدة فوافقه العباس على ذلك، أخذ النبي عليا، وأخذ العباس جعفرا وتكفل أمره، وتولى شؤونه (1).
هكذا وللمرة الأخرى أصبح علي (عليه السلام) في حوزة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصورة كاملة، واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه النبيلة، الشئ الكثير، وأن يصل تحت رعاية النبي وعنايته وبتوجيهه وقيادته، إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي.
وهذا هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلى تلك الأيام القيمة وإلى تلك الرعاية النبوية المباركة المستمرة إذ يقول:
" ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به " (2).
علي في غار حراء كان النبي - حتى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوة - يعتكف ويتعبد في غار حراء شهرا من كل سنة، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل، وتوجه إلى المسجد الحرام رأسا وطاف بالبيت سبعا، ثم عاد إلى منزله. وهنا يطرح سؤال: ماذا كان شأن علي (عليه السلام) في تلك الأيام التي كان يتعبد ويعتكف فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك المكان مع ما عرفناه من حب الرسول الأكرم له؟ هل كان يأخذ (صلى الله عليه وآله) عليا معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟
إن القرائن الكثيرة تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) منذ أن أخذ عليا لم يفارقه يوما أبدا،