الشيعة في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٧٩
فأمر بإطفاء الضياء، وتفرق جمع كثير ممن كان معه، الذين لم تكن أهدافهم سوى المادة والقضايا المادية، ولم يبق معه الا رائدو الحق ومتبعو الحقيقية، وهم ما يقارب من أربعين شخصا، وعدد من بني هاشم، وللمرة الثانية، جمع الإمام الحسين (ع) أصحابه، فخطب فيهم قائلا:
اللهم إني أحمدك على أن كرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد، فاني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، الا واني لا أظن يوما لنا من هؤلاء، الا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني زمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.
فقال له أخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر، لم نفعل ذلك لنبقى بعدك!؟
قال بعضهم: ما نفعل ذلك، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
فقام مسلم بن عوسجة خطيبا، قال: أنحن نخلي عنك وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك، اما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله، لو قد علمت اني اقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أحيى، ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي (الموت) دونك، وكيف لا افعل ذلك، وانما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا 1.
وصل الانذار إلى الامام في عصر يوم التاسع من محرم (اما البيعة أو

(1) مناقب ابن شهرآشوب ج 4: 99 / ارشاد المفيد ص 214.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»