نظرة في كتاب البداية والنهاية - الشيخ الأميني - الصفحة ١١٦
2 - إنه حسب نزوله الشام وهبوطه الربذة بخيرة منه، بعدما أوعز إلى أن عثمان أمره بالمقام بالربذة.
أما حديث الربذة فقد أوقفناك آنفا على أنه كان منفيا إليها، وأخرج من مدينة الرسول بصورة منكرة، ووقع هنالك ما وقع بين علي (عليه السلام) ومروان، وبينه وبين عثمان، وبين عثمان وبين عمار، واعتراف عثمان بتسييره، وتسجيل علي أمير المؤمنين عليه ذلك، وسماع غير واحد من أبي ذر الصادق نفسه حديثه، وإن عثمان جعله أعرابيا بعد الهجرة، وهو مقتضى إعلام النبوة في إخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه بأنه سوف يخرج من المدينة، ويطرد من مكة والشام.
وأما خبر الشام فقد مر إخراجه إليها ولم يكن ذلك باختياره أيضا (1).

(١) وقضية خروج أبي ذر من مكة والشام ثم إلى الربذة فصله المؤلف (رحمه الله) في ج ٨ / ٢٩٢ - ٣٠٧، وإليك تهذيب ما جاء هناك:
رواية المسعودي قصة الربذة هكذا:
إنه حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب: لا يا أمير المؤمنين فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال: كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين وآتى المال على حبه...) الآية، فقال عثمان: أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا؟ فقال له عثمان:
ما أكثر أذاك لي غيب وجهك عني فقد آذيتني.
فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان إن أبا ذر تجتمع إليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك. فكتب إليه عثمان يحمله، فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف.
ويفسر البخاري ما جرى له في الشام في روايته حديث زيد بن وهب عن أبي ذر في صحيحه: قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: الذين يكنزون الذهب والفضة، فقال: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: فينا وفيهم، فكتب يشكوني إلى عثمان فكتب عثمان: اقدم المدينة فقدمت فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكر ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث: وفي رواية الطبري أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام...
ويتابع المسعودي القصة... وطلب عثمان منه الخروج فقال أبو ذر أسير إلى مكة قال: لا والله، فقال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت قال: إي والله. فقال: فإلى الشام قال لا والله، قال: البصرة، فامتنع عثمان، فقال أبو ذر:
فسيرني حيث شئت من البلاد فقال: فإني مسيرك إلى الربذة.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٨ / ٢٥٢: واقعة أبي ذر وإخراجه إلى الربذة أحد الأحداث التي نقمت على عثمان وقد روى هذا الكلام أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس أن لا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به وتحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا وعمارا، فجعل الحسن يكلم أبا ذر فقال له مروان أبا حسن ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل، فحمل علي (عليه السلام) على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال: تنح نحاك الله إلى النار، فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر. ووقف أبو ذر فودعه القوم فقال علي (عليه السلام): يا أبا ذر إنك غضبت لله إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى القلا، والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى لجعل له منها مخرجا، يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل. المؤلف (رحمه الله)
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 118 119 120 121 122 ... » »»