إلا أنه لم ير ميتا رميما قد أعيدت له الحياة من جديد، ولكنه ينسى هذا المستغرب كيف خلقت ذاته لأول مرة، ولقد كان عدما، وأجزاء بدنه رميما تألفت من الأرض وما حملت ومن الفضاء وما حوى، من هنا وهنا، حتى صار بشرا سويا ذا عقل وبيان (أو لم ير الانسان إنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه).
يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلق نفسه: (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم): يقال له: إنك بعد أن تعترف بخالق الكائنات وقدرته وتعترف بالرسول وما أخبر به، مع قصور علمك حتى عن إدراك سر - خلق ذاتك وسر تكوينك، وكيف كان كان نموك وانتقالك من نطفة لا شعور لها ولا إرادة ولا عقل إلى مراحل متصاعدة مؤتلفا من ذرات متباعدة، لبلغ بشرا سويا عاقلا مدبرا ذا شعور وإحساس. يقال له: بعد هذا كيف تستغرب أن تعود لك الحياة من جديد بعد أن تصبح رميما، وأنت بذلك تحاول أن تتطاول إلى معرفة ما لا قبل لتجاربك وعلومك بكشفه؟
يقال له لا سبيل حينئذ إلا أن تذعن صاغرا للاعتراف بهذه الحقيقة التي أخبر عنها مدبر الكائنات العالم القدير وخالقك من العدم والرميم. وكل محاولة لكشف ما لا يمكن كشفه ولا يتناوله علمك فهي محاولة باطلة، وضرب في التيه، وفتح للعيون في الظلام الحالك.
إن الانسان مع ما بلغ من معرفة في هذه السنين الأخيرة، فاكتشف الكهرباء والرادار واستخدم الذرة، إلى أمثال هذه الاكتشافات التي لو حدث عنها في السنين الخوالي لعدها من أول المستحيلات