مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٢٧
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وما تكن الضمائر، وينصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا (عليه السلام) يا سعد إن من ادعى أن النبي - وهو خصمك - ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار، فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه، لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته، لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه، وإنما أقام عليا على مبيته، لأنه علم أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور، لم لا تنقض عليه بقولك: أولستم تقولون إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة، وصيرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (عليه السلام) فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فإن خصمك لم يجد بدا من قوله:
بلى. قلت له فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده، كان هذه الثلاثة خلفاء أمنة من بعده، فلم ذهب بخليفة واحدة وهو أبو بكر إلى الغار؟ ولم يذهب بهذه الثلاثة؟
فعلى هذا الأساس يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مستخفا بهم دون أبي بكر فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم، تاركا للشفقة عليهم، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر، وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد (صلى الله عليه وآله) واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد (صلى الله عليه وآله) ويقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل، إلا أنه يدعي النبوة، ولا يكون من النبوة في شئ.
فلما ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية بلد إذا انتظم أمره، وتحسن باله، واستقامت ولايته. فلما أيسا من ذلك، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة، وتلثما مثل من تلثم منهم، ونفروا بدابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتسقطه، ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»