النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال، ثم حملوني إلى بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الازدحام، وكان الوزير القمي (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه الله) وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر. قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافانا بباب النولي فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول:
يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا: ما دواؤها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات.
فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين وتبقى مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متى رأيتموه؟ قالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف عاملها، ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر فسأله عن القصة وعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها. قال: ما أجسر أن آخذ منه حبة واحدة. فقال الخليفة:
ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا، قال (عليه السلام): لا تأخذ من أبي جعفر شيئا، فبكى الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا. قال علي بن عيسى (رحمه الله) صاحب كتاب كشف الغمة: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟
فقال: لا، لأني أصبر عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر، وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ونجم الدين حيدر بن الأيسر، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحة هذه القصة وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها.