من الأعراب وغيرهم نصارى وتتصل بالحبشة والنوبة وكلهم نصارى وتتصل بالبربر وهم على دينهم، فإن حد هذا كان بقدر كل من في الأرض ولم نضف إليهم الإفرنج والروم، وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى، واتفق أننا سرنا في البحر وأوغلنا وتعدينا الجهات التي كنا نصل إليها ورغبنا في المكاسب، ولم نزل على ذلك حتى صرنا إلى جزاير عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن المدورة والرساتيق، وأول مدينة وصلنا إليها وأرسيت المراكب بها وقد سألنا الناخدا (1): أي شئ هذه الجزيرة؟
قال: والله إن هذه جزيرة لم أصل إليها ولم أعرفها وأنا وأنتم في معرفتها سواء، فلما أرسينا بها وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة وسألنا ما اسمها فقيل: هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه، فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا: وأين سرير ملكه؟ فقيل: بالزاهرة. فقلنا:
وأين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر وخمس وعشرين ليلة في البر، وهم قوم مسلمون. فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ فقال:
تحضرون عند نائب السلطان. فقلنا: وأين أعوانه؟ فقالوا: لا أعوان له بل هو في داره وكل من عليه حق يحضر عنده فيسلمه إليه، فتعجبنا من ذلك وقلنا: ألا تدلونا عليه؟ فقالوا: بلى، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة وهو مفرشها وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وحيانا وقال: من أين أقبلتم؟
فقلنا: من أرض كذا وكذا، فقال: كلكم مسلمون؟
فقلنا: لا، بل فينا المسلم واليهود والنصارى فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته ويناظر المسلم عن مذهبه، فوزن والدي عن خمس نفر نصارى وعنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا وقالوا للباقين هاتوا مذاهبكم فشرعوا معه في مذاهبهم فقال: لستم مسلمين، وإنما أنتم خوارج وأموالكم محللة للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم، فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم، ثم قال لنا:
يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث أخذت الجزية منكم، فلما عرف أولئك أن