(المعجزة العاشرة) في البحار: لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحالها، وكان يوم هو جالس على سرير له بباب الصحن وبين يديه المأمورون، وبيده خشبة طويلة يسوق بها الزوار بعد أخذ الريال منهم وسوم ساقهم إذ أقبل شاب من زوار العجم ومعه زوجته، وهم من أهل بيت الشرف والعفة، ودفع إليه ريالين فطبع ساقه وأشار إلى زوجته بالطبع فقال الشاب: دع الامرأة وأنا أعطي لكل دخول لها في الروضة المقدسة ريالا من غير أن يكشف لها ساق، ولم أرض بهذه الفضيحة، فصاح عليه الناصبي - السيد علي المذكور - وشتمه بالرفض والعصبية وقال: أتغير عليها يا فلان؟ فأجابه الشاب باللين والرفق. فصاح ثانيا بأنه لا يمكن لها الدخول في الحرم إلا وأكشف عن ساقها وأطبع عليها، فأخذ الشاب بيدها وقال: ارجعي فقد كفتنا هذه الزيارة، فاغتاظ الناصبي لذلك وصاح عليه قائلا: يا رافضي استثقلت ما أمرتك فيها، ثم مد يده وأخذ الخشبة الطويلة التي كانت عنده وركنها إلى صدر المرأة وأوقعها على الأرض وجانب بعض ثيابها وكشف عن بدنها، فأقامها الشاب وتوجه إلى الحرم الشريف ودموعه تنحدر وتجري وقال: يا سيدي أترضى به فإني راض برضاكم - يعني حاشاك أن ترضى - ثم أخذ بيدها وعاد إلى منزله.
قال الحاج جواد: كنت حينئذ في الدار إذ طرق علي طارق معجلا بعد ثلاث أو أربع ساعات وهو يقول: أجب والدة السيد علي وأدركه، فقمت مسرعا ولم أخرج ولم أصل إليه إلى أن تواتر علي الرسل، فدخلت عليه، فإذا به ملقى على فراشه يتململ تململ السليم وينادي ويشكو من وجع القلب وعياله حوله، فلما رأتني أمه وزوجته وبناته وأخواته اجتمعن حولي بالبكاء، واستدعين مني الذهاب إلى الشاب المزبور والاسترضاء عنه، هذا وهو ينادي في فراشه ويقول: إلهي أسأت وظلمت وبئس ما صنعت، فأتيت منزل الشاب وأخبرته بالخبر وسألته الرضا عنه فقال: أما أنا فقد رضيت عنه، ولكن أين عني ذلك القلب المنكسر والحالة التي كنت فيها؟ فما رجعت إلا وقد ارتج دار السيد علي بالبكاء، والنساء ناشرات الشعر لاطمات الخد مشرفات بالحرم، يردن الشفاء من الضريح المطهر واسمع أنين السيد علي من الدار إلى الصحن الشريف، فحضر فريضة المغرب والعشاء وأتيت وقمت للصلاة فما أتممت صلاتي إلا ونودي نداء موته، وضجت عياله بالبكاء عليه فغسل