إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج ١ - الصفحة ٣٠٥
ودقائقها، كلفا (1) باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، متعصبا لمذهب الإمامية، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب أئمتهم، هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا وأشنفهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم وأنا أناظره: تبا لك ولأصحابك يا سعد، إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد من أمر التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، كما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه؟ ولما رأينا النبي متوجها إلى الانجحار (2)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ولاستثقاله، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي ثم قال: يا سعد دونكها أخرى بمثلها تحطم أناف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق أسلم طوعا أو كرها. قال سعد: فاحتملت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الإلزام وحذرا مني أن أقررت لهما بطواعيتهما، والإسلام احتج بأن بدو النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عز وجل * (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا

1 - كلفا: أي مولعا.
2 - الانجحار: الاستتار.
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»