معه بلغة لا أعرفها وهو يجاوب أباه بتلك اللغة، فأمرني برده إلى محله ومكانه، فذهبت به ورجعت إلى العسكري (عليه السلام)، ثم رأيت أشخاصا من خواص المعتمد العباسي عند الإمام (عليه السلام) يقولون: إن الخليفة يقرئك السلام ويقول: بلغنا أن الله عز وجل أكرمك بولد وكبر فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولا بد لك أن تبعثه إلينا فإنا مشتاقون إليه.
قال ابن مهزيار: لما سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي فقال الإمام: يا بن مهزيار اذهب بحجة الله إلى الخليفة، فزاد اضطرابي وحيرتي، لأني كنت متيقنا أنه أراد قتله فكنت أتعلل وأنظر إلى سيدي ومولاي العسكري (عليه السلام) فتبسم في وجهي وقال: لا تخف اذهب بحجة الله إلى الخليفة، فأخذتني الهيبة ورجعت إلى السرداب فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال، وكانت الشامة السوداء في خده الأيمن كوكبا دريا، فحملته على كتفي وكان عليه برقع، فلما أخرجته من السرداب تنورت سامراء من تلك الطلعة الغراء وسطع النور من وجهه إلى عنان السماء واجتمع الناس رجالا ونساء في الطرق والشوارع وصعدوا على السطوح فانسد الطريق علي، فلم أقدر على المشي إلى أن صار أعوان الخليفة يبعدون الناس من حولي حتى أدخلوني دار الإمارة.
فرفع الحجاب فدخلنا مجلس الخليفة، فلما نظر هو وجلساؤه إلى طلعته الغراء وإلى ذلك الجمال والبهاء أخذتهم الهيبة منه فتغيرت ألوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم، فصار الرجل منهم لا يتكلم ولا يقدر أن يتحرك من مكانه، فبقيت واقفا والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي، فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة، فأحسست أنه يريد قتله فغلب علي الخوف من أجل سيدي ومولاي، فإذا بالخليفة أشار إلى السيافين أن اقتلوه، فكل واحد منهم أراد سل سيفه من غمده، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده، وقال الوزير: هذا من سحر بني هاشم، وليس هذا بعجيب ولكن ما أظن أن سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة، فأمر بإتيان السيوف من الخزانة فأتيت فلم يقدروا أيضا على إخراجها من أغمادها، وجاؤوا بالمواسي والسكاكين فلم يقدروا على فكها.
ثم أمر الخليفة بإشارة من الوزير بالأسود الضارية من بركة السباع، فأتى بثلاثة من الأسود