الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد لأمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة، المعول عليه في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به، ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها، فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أليس قال رسول الله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، وكان لا يجد بدا من قوله: بلى، فكنت تقول له حينئذ: أليس كما علم رسول الله أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك: نعم، ثم كنت تقول له:
فكان الواجب على رسول الله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار (1) ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.
ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا لأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد ومن عواقب أمره؟ فكانت اليهود تذكر أن محمدا يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل، ولا بد له من الظفر على العرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه وأن هذا نبي؟ فأتيا محمدا فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلا الله، وبايعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين بغية أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة والزبير عليا فبايعاه، وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين. قال: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) إلى الصلاة مع الغلام