منهج الرشاد لمن أراد السداد - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - الصفحة ٥٢٥
مقعده من النار (1). وحديث (ولا يقوم الرجل)، ظاهره اختصاص الجالس مجالسه، وربما ينزل ما دل على كراهته كذلك على نحو كراهته لملاذ الدنيا، وزهده في القيام كزهده في مباحاتها.
فقد روى أبو سعيد الخدري أن سعدا جاء على حمار، فلما دنا من المسجد، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم (2).
وعن عائشة قالت: كنت جالسة متربعة، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأردت القيام، كما هي عادتي عند دخوله، فمنعني (3). فأن فيه دلالة على أن ذلك كان معتادا لها، ولعل هذا المنع كان لسبب خاص، أو كزهد الدنيا، وكسر النفس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما قدم جعفر مبشرا بفتح خيبر، قام، فقال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر (4).
وقيام الاحتمال في هذه الأخبار لا يمنع الاستناد إليها كما لا يخفى على أولي الأنظار مع ما ورد في الأخبار الكثيرة، من استحباب تعظيم المؤمن، ويدخل في تعظيم شعائر الله على نحو ما ورد في التفاسير المعتبرة.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فإذا قام قمنا لقيامه، حتى نراه دخل بعض بيوت أزواجه.
وعن واثلة (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن للمسلم لحقا إذا رآه أخوة تزحزح له، رواه البيهقي في شعب الايمان (6).

(1) سنن أبي داود (كتاب الأدب)، حديث 4552، وسنن الترمذي (كتاب الأدب)، حديث 2679.
(2) سنن أبي داود، حديث 5216.
(3) أيضا، حديث 5217.
(4) علق العلامة الشيخ قاسم الدلبزي (ناسخ الكتاب) على هذا الموضوع بقوله:
(لقائل أن يقول: إن حديث (جعفر) ليس فيه دلالة على المطلوب لأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أدري أنا بأيهما أشد فرحا) لا دلالة فيه لاحتمال أن يكون من جمعة الفرح، يعني ما أدري فرحي لقدوم جعفر، أو لفتح خيبر، لأن مطلوبنا القيام، وهذا لا دلالة فيه على أن القيام كان من النبي لجعفر من جمعة فرحه بفتح خير.
وذلك حديث أبي هريرة، وحديث واثلة لأن قول الأصحاب (قمنا قياما)، حتى قوله (دخل بيوت بعض أزواجه) لا دلالة فيه على أنهم قائمين - هكذا وردت في الأصل - له صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا قوله في حديث واثلة: (فإذا رآه أخوه تزحزح له) لاحتمال أن يكون التزحزح، والتفسح بمعنى واحد. والمنكر لا ينكر التفسح). + + (قاسم الدلبزي) = = (5) واثلة بن الأسقع بن كعب، توفي سنة 83 ه‍ / 702 م بدمشق عن (105) سنين.
(6) سنن البيهقي، (كتاب شعب الأيمان).
(٥٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 ... » »»