أيها الناس، إنه من قل ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس، ومن كثر حلمه نبل، ومن فكر في ذات الله تزندق، ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، ومن جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله، ولا فقير لإقلاله.
أيها الناس لو أن السلامة من الموت يشترى لاشتراه أهل الدنيا الكريم الأبلج واللئيم الملهوج (1).
أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم إلى المواعظ مما تدعو النفس إلى الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف، والاعتبار يقود إلى الرشاد، وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك، عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الردى عرف مواقع الخطأ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، ومن حصن شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، والأيام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ومن عرف بالحكمة لحطته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جنة من الفاقة والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه وقد أوجب الدهر شكره على من نال صوله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح وإحسان، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن قدر استطال، وقل ما يصدقك الأمنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه، انح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن، وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل أكلة تغصصا، ولا تنال نعمة إلا بزوال أخرى، ولكل زمن قوت، ولكل حبة أكل، وأنت قوت الموت.
اعلموا أيها الناس أن من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار