قال أنا مدينة العلم وعلي بابها وذكر البغوي في الصحاح أن رسول الله (ص) قال أنا دار الحكمة وعلي بابها انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكره من علم أمير المؤمنين (ع) فلا شك في أنه من علماء الأمة والناس محتاجون إليه فيه وكيف لا وهو وصي النبي في إبلاغ العلم وودايع حقايق المعارف فلا نزاع لأحد فيه وأما ما ذكره من صحيح الترمذي فصحيح وأما ما ذكره من صحاح البغوي فإنه قال الحديث غريب لا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك وإسناده مضطرب فكان ينبغي أن يذكر ما ذكروه من معايب الحديث ليكون أمينا في النقل انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن ما ذكره أولا من أن الحديث إنما يدل على كون علي (ع) من علماء الدين ولا نزاع فيه مراد به أنه لا يدل على الخلافة التي المطلب الأعلى مردود بأن الحديث على ما أوضحناه سابقا يدل على أنه (ع) أعلم من الكل والأعلم أولى بالخلافة وقد أشار إلى هذا العارف المتأله عامر البصري قدس سره في قصيدته التائية بقوله شعر فعقلك سلطان وإخباره القوى لأعضائه والنفس شبه مدنية لذلك قال النبي أنا مدينة العلم فافهم ذا بحسن كياسة وأن عليا بابها فاعرفنه وهذا كلام مفصح بالخلافة وأما ثانيا فلأن المصنف إنما لم يذكر ما ذكره البغوي آخرا من عيب الحديث لأنه بعد موافقة ذلك الحديث معنى للحديث الصحيح السالم الذي رواه الترمذي لا يقدح فيه تلك الغرابة بل قد صرحوا بأن اختلاف ألفاظ الأحاديث مع توافق المعنى من دلايل الصحة كما مر في مباحث النبوة عند شرح ما افترى القوم على النبي (ص) من تكلمه أثناء التلاوة بالغرانيق العلى فتذكر ثم لا يخفى على أولي الألباب أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشئ الذي لا يشذ عنه منه شئ ولا يخرج إلا منه ولا يدخل إليه إلا به وإذا ثبت أنه (ع) الحافظ لعلوم النبي (ص) وحكمته ويثبت أمر الله تعالى ورسوله بالتوصل به إلى العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه وهذا حقيقة معنى الإمام كما لا يخفى على ذوي الأفهام قال المصنف رفع الله درجته وفيه عن أبي الحمراء قال قال رسول الله (ص) من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب وروي البيهقي بإسناده إلى رسول الله (ص) من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في علمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب (ع) انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد خان في هذا النقل لأنه ذكر أن في صحاح البغوي هذا الحديث وهذا كذب وباطل فإذا الحديث لم يذكره البغوي أصلا لا في صحاحه ولا في حسانه وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر ولا شك أنه منكر مع ما نسب إلى البيهقي لأنه يوهم أن علي بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء وهذا باطل فإن غير النبي (ص) لا يكون أفضل من النبي وأما أنه موهم لهذا المعنى لأنه جمع فيه من الفضايل ما تفرق في الأنبياء والجامع للفضايل أفضل ممن يفرق فيهم الفضايل وأمثال هذا من موضوعات الغلاة وإن صح فيمكن حمله على أن له كمال هذه الفضايل انتهى وأقول أن المصنف ما خان في نقله بل الناصب هان في فهمه وعقله إذ الظاهر أن ضمير فيه في قول المصنف وفيه عن أبي الحمراء راجع إلى ما سبق من لفظ الصحيح في قوله وروى الترمذي في صحيحه ولو كان راجعا إلى ما ذكره ثانيا في مرتبة النقل عن البغوي كما توهمه الناصب لكان الظاهر أن يقول وفيها ليرجع إلى لفظ الصحاح المذكور هناك بصيغة الجمع إذ لا يظهر في جملة ما نقل في هذه المرتبة ما يصلح مرجعا للضمير سواه وهو يقتضي ضمير التأنيث دون المذكر وعلى هذا لا وجه للحكم بخيانة المصنف خصوصا عن بهذا الناصب الخوان الملحد الشقي المبيح للكذب الكذاب وقد بينا وجوه خيانته وتحريفه في مواضع من هذا الكتاب ثم أي أثر للوضع والنكر في حديث البغوي مع اتحاده في المعنى مع حديث الترمذي الذي سلمه ولم يتكلم عليه وهل الاختلاف إلا بتبديل المدينة؟؟؟
فاعتبروا يا أولي الأبصار وأما ما ذكره من أن حديث البيهقي يوهم أن علي بن أبي طالب (ع) أفضل من الأنبياء وهذا باطل فمدخول بظهور أن النبوة ليست داخلة في تلك الفضايل المتفرقة فيجوز أن يكون أفضلية الأنبياء (ع) عن علي (ع) باعتبارها كما قال الناصب سابقا في آية المباهلة من أنه كيف يمكن المساواة والنبي (ص) نبي مرسل خاتم الأنبياء أفضل أولي العزم وهذه الصفات كلها مفقودة في علي (ع) انتهى ولو سلم فلا تم بطلان ما أوهمه لما مر من أن المراد بنفس النبي في قوله تعالى وأنفسنا وأنفسكم هو علي (ع) وكونهما نفسا واحدة حقيقية محال فلم يبق إلا المساواة فيما يمكن المساواة من صفات النفس ومساوي الأفضل أفضل قطعا إن قيل كيف يتحقق المساواة في جميع صفات النفس ومنها النبوة التي لم يحصل لعلي (ع) قلت إن أريد بالنبوة بعث إنسان على الوجه المخصوص فظاهر أن ذلك ليس من صفات نفس النبي (ص) حتى يحتاج إلى استثناء وإن أراد به الصفة النفسية الكاملة التي تنبعث منه البعث المذكور فلا يمتنع أن يكون تلك الصفة حاصلة لأئمتنا (ع) غاية الأمر أن خصوصية خاتمية نبينا (ص) منع عن بعثهم على الوجه المخصوص عن إطلاق الاسم عليهم شرعا كما قيل بمثله في منع إطلاق اسم الجوهر بمعنى موجود لا في موضوع على الله سبحانه وأيضا يدل على ذلك قوله (ص) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وجه الدلالة أن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي تقسيم الآحاد على الآحاد فإذا قسم علماء الأمة المعصومين وغيرهم من علماء أهل السنة على أنبياء إسرائيل فلا بد أن يقع واحد من علماء الأمة كالشافعي مثلا على زعمهم مقابل نبي وآخر منهم كأبي حنيفة في مقابل نبي آخر وهكذا ومن البين أن عليا والأئمة من أولاده (ع) أفضل من أبي حنيفة والشافعي فيلزم أن يكونوا أفضل من النبي الواقع في مقابلة الشافعي والحنفي بمقتضى التقسيم لا يقال أن وجه الشبه حيث يجب أن يكون في المشبه به أقوى يقتضي زيادة الكمال في أنبياء بني إسرائيل فلا يتم الاستدلال به لأنا نقول بل الأظهرية عند العقل كاف في ذلك كما قالوا به في توجيه تشبيه صلاة النبي وآله عليهم الصلاة والسلام بالصلاة على إبراهيم وآله (ع) ولا ريب في ظهور حال الأنبياء (ع) سيما وقت سماع ذلك الحديث فافهم وبالجملة الدلايل على تفضيل أمير المؤمنين (ع) على من عدا نبينا (ص) من الأنبياء (ع) كثيرة أقواها الآيات والأحاديث الدالة على المشابهة والاتحاد والمماثلة والمشاكلة