الثاني لتفضيل شئ لم يقع فيه شركة كقوله تعالى خير مكانا وأحسن مقيلا فهذه مقيدة ومع الاطلاق يراد به الزيادة في الفضل المشترك فيه وهو الأكثر في دلالتها والمشهور منها ولما تباينت الصفات من علم وكرم وشجاعة وزهد وورع وقضاء إلى غير ذلك بين علي (ع) وبين أبي بكر وأمثاله لم يجز لأجل ذلك أن يقال علي أفضل من أبي بكر أو عمر ولهذا قال علي (ع) من فضلني على أبي بكر جلدته جلد المفتري يعني (ع) أن مفضله على أبي بكر أو عمر قد افترى عليهما بما ليس فيهما من الفضل والله در الشاعر حيث يقول شعر متى ما أقل مولاي أفضل منها أكن بالذي فضلته متنقصا ألم تر أن السيف تزرى بحده متى قلت هذا السيف أمضى من العصا ولعله بهذا المعنى أقسم بالله تعالى عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد الثقات المشهورين عند نسبته مذهب التفضيل إليه لقوله والله ما انشرح صدري قط إن أفضل عليا على أبي بكر فافهم وأفضل يستعمل على ثلاثة أوجه يستعمل مع الألف واللام كقولك زيد الأفضل ويستعمل مع الألف واللام كقولك زيد الأفضل ويستعمل مع من كقولك زيد أفقه من عمر ومعناه يزيد فقهه على فقهه ويستعمل مضافة كقولك زيد أفضل القوم فزيد بعض القوم فزيد بعض القوم لكن فضله يزيد على فضلهم وقد روى الجمهور عن النبي (ص) أنه قال لابنته فاطمة (ع) زوجتك أعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأحكمهن علما وهذه الكلمات النبوية على وزن أفعل وهي يقتضي لعلي (ع) الزيادة على غيره وإن كان مساويا له في الإنسانية والمعنى الذي صار لأجله أفضل منهم هو بلوغ غاية الحكمة وإدراك العلوم الربانية علما وعملا وهذا الألف في أعظمهم وأقدمهم وأعلمهم يسمى ألف التفضيل وقد نقل عن سيبويه أنه قال أحمد على وزن أفعل يدل على فضله على ساير الأنبياء لأجل ألف التفضيل ثم النقل عن سيبويه فيجب أن يكون الألف في صفات علي (ع) دالة على فضله على ساير القرابة والصحابة وهو المطلق قال المصنف رفع الله درجته وعلم الفصاحة إليه منسوب حتى قيل في كلامه أنه فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق ومن كلامه تعلم الفصحاء قال ابن نباتة حفظت من كلامه ألف خطبة ففاضت ثم فاضت وأما المتكلمون فأربعة معتزلة وأشاعرة وشيعة وخوارج وانتساب الشيعة إليه معلوم والخوارج كذلك فإن فضلائهم رجعوا إليه وأما المعتزلة فإنهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء وهو تلميذ أبي هاشم عبد الله وهو تلميذ أبيه محمد بن الحنفية وهو تلميذ أبيه علي (ع) وأما الأشاعرة فإنهم تلامذة أبي الحسن علي بن أبي بشر الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي وهو من مشايخ المعتزلة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا شك في توغل أمير المؤمنين (ع) في العلم والفصاحة والأسرار المكنونة التي لم يطلع عليها أحد غيره وأما ما ذكره من رجوع طوايف أهل الكلام إليه فإن أراد به أن أصول كلامهم مأخوذ منه فهذا يوجب أن يكون أصول عقايد الخوارج والمعتزلة والأشاعرة مأخوذا من أمير المؤمنين وما كان مأخوذا عنه يكون حقا وهذا لا يوافق مذهبه وإن أراد به أنهم ينتسبون إليه بلا أخذ العلم والعقيدة فإثبات هذا لا يفيده فيما يدعيه انتهى وأقول فيه أولا إن علم أمير المؤمنين (ع) وفصاحته لم يكن بالتوغل والتحصيل المتعارف كما توهمه الناصب بل كان بالتأييد من الله تعالى ورسوله لهذا فاق في الكل على الكل وصار إمام الكل في الكل وثانيا أن ما ذكره من الترديد مردود غير حاصر إذ المراد كما أشرنا إليه سابقا أنهم ينتسبون إليه (ع) في أخذ العقايد الحقة من معرفة وجود الباري ووحدانيته وصفاته وأفعاله ومعرفة النبي وما جاء به مما لا يستقل العقل بإثباته من أحوال المبدأ والمعاد وهذا كما يقال أن محمد بن الحسن وأبا يوسف من تلامذة أبي حنيفة منتسبون إليه مع ظهور خلافتهما في كثير من المسائل الفرعية كما لا يخفى على من نظر في كتبهم الفقهية فكذا لا يلزم فيما نحن فيه أن يكون ما أحدثه المعتزلة والأشاعرة والخوارج من عند أنفسهم سيما ما أحدثه الخوارج بعد الخروج على علي (ع) ومروقهم من الدين حتى القول بالتبري عنه (ع) مأخوذا عنه (ع) كما زعمه هذا الناصب الغبي وهل هذا إلا مثل أن يقول أحد أن علوم بني إسرائيل كانت مقتبسة من نبيهم موسى (ع) فيقول شقي قوى مثل هذا الناصب الجاهل الغبي أنه يلزم أن يكون ما أحدثه بنو إسرائيل بعد ارتدادهم من اعتقاد ألوهية العجل وحقية السامري ونحو ذلك أيضا مقتبسا من موسى (ع) وأيضا من البين أن الفرق المتكثرة البالغة إلى ثلاث وسبعين فرقة من أمة نبينا (ص) منتسبون إليه متمسكون بدينه وكل فرقة منهم يدعي أنه على ما عليه النبي (ص) وآله وأصحابه الأخيار ولا يلزم من أخبارنا بأنهم من أمته وداخلون في ملته ومقتبسون من مشكاة نبوته أن يكون قابلين بأن اعتقاداتهم الباطلة أيضا دينا وموافقا لما عليه النبي وآله وأصحابه بل المقصود إنما هو الحق منها في نفس الأمر موافق لما عليه النبي (ص) وأصحابه ولعمري أن هذا الناصب الشقي حقيق في غباوته وكودنته واعوجاج فهمه المارق عن جانب المقصود الصحيح من الكلام إلى غيره بأن ينشد على روحه الميشوم البقرى المستقر في أسفل دركات السقر شعر علي بخت القوافي من معادنها فما علي إذا لم يفهم البقر قال المصنف رفع الله درجته وأما علم الطريقة فإن جميع الصوفية وأرباب الإشارات في الحقيقة يسندون الخرقة إليه وأصحابه الفتوة يرجعون إليه وهو الذي نزل جبرئيل (ع) يوم بدر ينادي لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وقال النبي (ص) أنا الفتى ابن الفتى أخوا الفتى أما أنه الفتى لأنه سيد العرب وأما أنه ابن الفتى فلأنه ابن إبراهيم الذي قال الله تعالى فيه فتى يقال له إبراهيم وأما أنه أخوا الفتى فلأنه أخ علي الذي قال جبرئيل فيه لا فتى إلا علي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكره أن الصوفية يرجعون إليه في ما ادعى في صدر الكتاب أن الصوفية هم تاركوا الصلاة والمعتقدون للحلول والاتحاد وكيف يجوز نسبتهم إلى أمير المؤمنين وهذا عملهم وعقيدتهم ثم أن انتساب الخرقة لا يوجب أخذ العلم وأخذ العلم هو المدعي وفي الجملة هذا الرجل لا يعرف ما يقول وهو كالناقة العشواء يرتعي كل حشيش انتهى وأقول أولا إن من شنع عليهم المصنف في صدر الكتاب في بحث عدم جواز الحلول على الله تعالى هم جمهور المتصوفة مقرونا بتاء التفعل المقصود منه التكلف في الأمر والمراد بهم صوفية الجمهور من أهل السنة كما مر فلا منافاة بل قد وافق المصنف في ذلك شارح منهاج الفقه للنووي حيث قال في بحث الوصايا من شرحه
(٢٠٢)