مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٣٤٩
خاتمة في ختم هذه الرسالة وبيان هذه المقالة، اعلم أن الذي دعاني إلى كشف هذه الأسرار، وحملني على قطف هذه الأزهار وإبراز هذه الأبكار من خدور الأفكار، وكان حقها أن تصان ولا تذاع فتهان، لأن الحرام كالحرام إظهار الخواص للعوام، أني لما رويت من أسرار أئمة الأبرار دورا، وجلوت منها غرارا، تؤمن معرفتها من العذاب، وتدخل الجنة بغير حساب، لأنها خط مما خط على خطط الجباه، ورقم رقم حبها على ألسنة العقول والأفواه، ولا ينشق رباها كل حليم أواه، وأخذ لها العهد على النسمات في الأزل وختم فرضها على البريات ولم يزل، فلما ند ندها وفاح شذاها ند بالأفكار ندها ومل شداها، حتى صار المنافق يهجرها ولا ينشق رباها، والموافق ينكرها ولا يخاف الله عقباها، وهي لهداها إلى الحق أحق أن يتبع وعيبا هي ولتناهى بلسان الصدق أصدق ما يسمع، فأصبحت مع عظيم الحاجة إليها لا تحن القلوب عليها ولا تحن الطبائع إليها، فأعجب لها كيف لا يركب نهجها وفاز في سفينة النجاة، ولا تتطلب وهي عين الحياة مع تقاطر الأيدي والمتاجر دفع طيبها وطيب عرقها، تلحظها العيون بأهداب الحد الحفظ، تلفظها الفنون بأفواه الرفض، وهي أنفس نفيس بحيث إنها تتنافس فيه النفوس، فصارت تبعدها عن الأذهان بكذب فيها وبهتان، فكانت كما قيل:
ومن العجائب أنه لا يشتري * وقع الكساد يخان فيه ويسرق وأقبل الحساد واللوام، كل يغض على عين البغضاء، ويغض عن طرق اللأواء والأحناء، وليس علي في مجمع الفرقان عيوب، ولا في صحيفة اللواء ذنوب، غير حبي لعلي، ونشري لصحائف أسراره، فإذا كان هذا هو الذنب، وعليه وفيه العتب، فحبذا ذنب هو أعظم الحسنات وسبيل النجاة، وعتب هو أحلى من نسمات الحياة عند ذكر الملمات، وذكر ذنب منه لا أتوب، وعيب منه لا أؤوب، بل أقول كما قال قيس عامر:
أتوب إليك يا رحمان مما * جنيت فقد تكاثرت الذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي * زيارتها فإني لا أتوب وحسبك نعمة لا يقدرونها، لا تجد لمن سبقت له من الله الحسنى، لمعرفة المقصد الأسنى، فعلي في تحقيق الحقائق، وعلي في تدقيق الدقائق، بمعرفة إمام الخلائق، واقتدى بالإله الخالق، والنبي
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 349 350 351 352 353 354 ... » »»