مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٣٠٥
فصل (معنى الحركة السكون لله) وأما قوله: (وجاء ربك) فالمجئ والحركة والسكون إنما تقال على الأجسام، وخالق الأجسام ليس بجسم، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلا الله، والمراد جاء أمر ربك والأمر يومئذ محمد وعلي فهم الأمر وإليهم الأمر، والسيد والمولى في اللغة بمعنى واحد (1)، وأنت تدعو بذاك مرارا ولا تعقل وتقول: يا سيدي ومولاي يا الله يا محمد يا سيدي ومولاي، يا علي يا سيدي ومولاي، وقد ورد عن الحسن العسكري عليه السلام في عهده ودعائه أنه يقول: (يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية، وحباني بمعرفة الربوبية، وخلصني من الشك والعمى، جئت بك إليك).
فالواحد المعدود، والرب لا معدود، صفة الإله الأحد الذي لا يحد ولا يعد، فمن عرف من الحكمة هذا القدر فقد عرف مبدأه ومعاده (2)، لأن المبدأ ظهور من الحق إلى الخلق، والمعاد عود من الخلق إلى الحق، ومن عرف المبدأ والمعاد وحقيقة الوعد والإيعاد، فقد تيقن النجاة وعرف عين الحياة، وأمن الممات، لأن المؤمن حي في الدارين.
يتمم هذا الأسرار قوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا (3)، والوحي والرسول يوم القيامة مرتفع، فلم يبق إلا التكلم من وراء الحجاب، وأقرت الناس مقاما من حضرة الربوبية الاسمان الأعليان الحبيب والولي الكلمة العليا التي تكلم بها في الأزل فصارت نورا، والكلمة الكبرى التي تكلم بها فكانت روحا، وأسكنها ذلك النور محمد وعلي فهما حجاب رب الأرباب، فالأذن إذن لهم والحكم لهم، والأمر إليهم، وإليه الإشارة بقوله: والأمر يومئذ لله (4) يعني لولي الله لأنهم عالمان بأعمال العباد من غير سؤال وليس في الخلائق من له هذه المقامات إلا هم، لكن الناس فيهم، كما قال الله سبحانه: ومن الناس من يعبد الله على حرف (5) أي إيمانه غير متمكن في القلب لأن الحرف هو الطرف. وذاك بغير

(٣) الشورى: ٥١.
(٤) الانفطار: ١٩.
(٥) الحج: ١١.
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»