مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٣٠٧
فصل (معنى الرب بالقرآن) قد علمت أن الرب لفظ مشترك، فتارة يأتي بالقرآن بمعنى المالك والسيد، وتارة يأتي بمعنى المعبود، ولا مشركة فيه، وذاك مثل قوله سبحانه: ﴿رب السماوات﴾ (١)، و ﴿رب الأرض﴾ (٢)، ﴿رب العالمين﴾ (٣)، فهو ربهم وخالقهم ومالكهم ومولاهم، وأما اسم الإله إذا جاء من هذا الباب فإنه لا يكون إلا بمعنى حذف المضاف لا غير، وذلك مثل قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) (٤)، ومعناه أمر الله، وقوله: ﴿فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا﴾ (٥) معناه أمر الله من حيث لم يشعروا.
فصل سر النجاة بالإيمان، ولا إيمان إلا ببرهان، ﴿وإليه الإشارة بقوله: هاتوا برهانكم﴾ (6)، وصاحب البرهان على بينة من ربه، وحق اليقين لا شك بعده، وليس بعد الهدى إلا الضلال، فالمؤمن الموقن كشارب الترياق لا يضره سم أبدا، والمقلد إيمانه لعقة على لسانه فلا يعرف الحق حتى يتبعه، ولا يقدر على عرف الباطل فيمنعه، فهو كالمطعون كلما ازداد علاجا ازداد مرضا، أو كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا، وكذلك المرتاب في فضل علي لا يصبو الحسن ما تجلى عليه من عرايسه، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه، فكلما تليت عليه آياته، ولى مدبرا، وصد مستكبرا، لأنه لم يؤمن بها من الأزل ولم يزل، فلذلك لم يؤمن بها اليوم، ولم ينقد مع القوم، وكيف يعرفها في عالم الأجسام والأشباح؟ وقد أنكرها في عالم الأرواح، فهو في عالم الأجساد ممسوخ،

(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»