الحجة لا يشهد لمحجوج عليه بعد أن يثبت أنهم عين الله الناظرة في عباده، ويده المبسوطة بالفضل في بلاده، ولسانه المترجم عنه، وأن قلوب الأولياء مكان مشيئة الله وخزائن أسراره وباب حكمته.
ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن المعلى بن خنيس ينال درجتنا، وإن المدينة من قابل يليها داود بن عروة، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتي فيأتي فيقتله ويصلبه، فينال بذلك درجتنا، فلما ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلى وسأله عن الشيعة فقال:
أعرفهم، فقال: اكتبهم لي وإلا ضربت عنقك، فقال: بالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم، فأمر بضرب عنقه وصلبه، فلما دخل عليه الصادق عليه السلام قال: يا داود قتلت مولاي ووكيلي، وما كفاك القتل حتى صلبته، والله لأدعون الله عليك كما قتلته، فقال له داود: أتهددني بدعائك؟ ادع الله لك فإذا استجاب لك فادعه علي، فخرج أبو عبد الله عليه السلام مغضبا، فلما جن الليل اغتسل واستقبل القبلة، ثم قال: يا ذا يا ذي يا ذوا إرم داود سهما من سهام قهرك تبلبل به قلبه، ثم قال لغلامه: اخرج واسمع الصائح. فجاء الخبر أن داود قد هلك، فخر الإمام ساجدا وقال: إنه لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو قسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها (1).
ومن كراماته عليه السلام: أن المنصور يوما دعاه، فركب معه إلى بعض النواحي، فجلس المنصور على تلال هناك وإلى جانبه أبو عبد الله، فجاء رجل وهم أن يسأل المنصور ثم أعرض عنه، وسأل الصادق عليه السلام فجش له من أهل وعل هناك ملء يديه ثلاث مرات، فقال: إذهب وأغل، فقال له بعض حاشية المنصور: خرجت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا، فقال الرجل وقد عرق وجهه خجلا مما أعطاه: إني سألت من أنا واثق بعطائه، ثم جاء بالتراب إلى بيته، فقالت له زوجته: من أعطاك هذا؟ فقال: جعفر، فقالت: وما قال؟ قال لي: أغل، فقالت: إنه صادق، فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإني أشم منه رايحة الغنا، فأخذ الرجل منه جزءا ومر به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم، وقال له: أتيني بباقيه على هذه القيمة (2).
ومن ذلك: أن المنصور لما أراد قتل أبي عبد الله عليه السلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم البعرعر لا يفهمون ولا يعقلون، فخلع عليهم الديباج المثقل، والوشي المنسوخ، وحملت إليهم الأموال، ثم