أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٧٣
وحمل في سرير، وصلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منضدة، وفرش ممهدة، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدود بلبن جلمود، وهيل عليه عفره، وحثي عليه مدره، ومحي منه أثره، ونسي خبره، ورجع عنه وليده وصفيه وحبيبه وقريبه ونسيبه، فهو حشو قبره، ورهين سعيه، يسعى في جسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره وجسمه، ويسحن (1) تربه لحمه، وينشف دمه، ويرم عظمه، فيرتهن بيوم حشره، حتى ينفخ في صوره، وينشر من قبره، فلا ينتصر بقبيلة وعشيرة، وحصلت سريرة صدره، وجئ بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير. فحينئذ يلجمه عرقه، ويحرقه قلقه، وتغزر عبرته، وتكثر حسرته، وتكبر صرعته، حجته غير مقبولة، نشرت صحيفته، وتبينت جريمته، ونظر في سوء عمله، فشهدت عينه بنظره، ويده بلمسه، وفرجه بمسه، ورجله بخطوه، ويهلكه منكر ونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد، وغم جديد، في يد ملك عتيد، فظل يعذب في جحيم، ويسقى من حميم، يشوى به وجهه، وينسلخ منه جلده، بعد نضجه (2) جديد.
فمن زحزح عن عقوبة ربه، وسكن حضرة فردوس، وتقلب في نعيم، وسقي من تسنيم، ومزج له بزنجبيل، وضمخ بمسك وعنبر، مستديم للملك مقيم في سرور محبور، وعيش مشكور، يشرب من خمور، في روض مغدق، ليس يصدع عن شربه.
ليس تكون هذه إلا منزلة من خشي ربه، وحزن نفسه، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه، وسولت له نفسه معصيته ودينه (3)، ذلك قول فصل، وحكم عدل، خير قصص قص، [ووعظ نص، تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد] (4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، ورب كل مربوب، وعلى درسه ذوي طهر غير مسلوب، وعلى كل مؤمن ومؤمنة، والسلام " (5).

١ - سحنت الحجر: كسرته (الصحاح ٥: ٢١٣٣).
٢ - كذا في الأصل: ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي: ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد.
٣ - كذا، ولعل الصواب: وذنبه.
٤ - أثبتناه من شرح نهج البلاغة.
٥ - وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩: ١٤٠، وكفاية الطالب: ٣٩٣، ومصباح الكفعمي: ٧٤١، وكنز العمال ١٦: ٢٠٨ / 44234
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»