دليل آخر على حدوث العالم وقدم محدثه:
و مما يستدل به على محدث للعالم، أنا نجد الأجسام مشتركة في كونها أجساما، هي مع ذلك مفترقة في أمور أخر: كونها ترابا وماء وهواء ونارا، فلا يخلو هذا الافتراق في الصور والصفات إما أن يكون لأمر من الأمور اقتضى ذلك أو لا لأمر، فإن كان لا لأمر، لم تكن الأجسام بأن تفترق أولى من أن لا تفترق، ولم يكن بعضها بكونه أرضا وبعضها هواء أو ماء بأولى من العكس، فثبت أنه لا بد من أمر اقتضى افتراقها، ولا يصح أن يكون ذلك الأمر هو كونها أجساما لأنها مشتركة في ذلك، فكان يجب أن تشترك في صفة واحدة، أو يكون كل بعض منها على جميع هذه الصفات المتصلات، فلا بد أن يكون الأمر المقتضي لأمر إنما هو غيرها، ولا يصح أن يكون مثلها ولا من جنسها، ثم لا يخلو أن يكون موجبا أو مختارا، فإن كان موجبا فلم أوجب النار كونها نارا، دون أن يوجب للماء أن يكون نارا، وللأرض أن تكون هواء؟ وكيف يصح وجود صور متضادة ولا موجب لها؟ وفي فساد هذا دلالة على أنه مختارا، وإذا ثبت ذلك فهو المحدث القديم، الذي لا يجوز أن يكون محدثا إلا وهو حي قادر.
دليل آخر:
ومما يستدل به على أنه لا بد للعالم من محدث، ما تجد فيه [من] (1) إحكام الصنعة وإتقان التدبير، فلو جاز أن يتفق ذلك لا بمحدث أحدثه، لجاز أن يجتمع ألواح وقار ومسامير وتتألف سفينة بغير جامع ولا مؤلف، ثم تعبر بالناس في البحر بغير معبر ولا مدبر، فلما كان ذلك ممتنعا في العقل، كان ذلك في العالم أشد امتناعا وأبعد وقوعا.
دليل آخر:
وما يستدل به على وجود المدبر الصانع، أمر الفيل وأصحابه، الذين أخبر الله تعالى عنهم وعما أصابهم، مما ليس لملحد في تخريج الوجوه له حيلة، ولا يكون ذلك إلا من الصانع سبحانه، وليس إلى إنكاره سبيل لاشتهاره وقرب عهده، فلأنه يجوز أن يقوم