المؤخر، وجعل الأوقات والفضاء والجو والمكان حاجة الكون ومستقر العالم، وشاء الكون وشاء وقته كل كائن، فهو موجوده على ما يشاء ويريده من أفعاله سبحانه، وحسن أفعال خلقه لا قبيح أفعالهم، ولا يكون إلا كذلك، ولا خروج للشئ عنه بغلبة، وذلك كمال الملك، وتمام الحكم، وإبرام الأمر، وكل غيب عنده شهادة، وهو المفيد ولا يتوقع إفادة، ومزيد ولا يتوقع زيادة، ومحدث ولا عليه حدث، مخترع ولا كذلك غيره، ومبدع ولا معه بديع، بل هو بديع السماوات والأرض وما بينهما وما خرج عنهما، وصانع لا بآلة، وخالق لا بمباشرة، وسميع بصير لا بأداة، علا عن الخصماء والأنداد، وتقدس عن الأمثال والأضداد، وجل عن الصاحبة والأولاد، حكمته لا كحكمة الحكماء، سبحانه ما أقدره وأيسر القدرة عليه! وما أعزة وأعز من اعتمد عليه! وذكره واستسلم إليه! إذ العزة له وهو العزيز بعزته تعالى عن المثل والشبه، إذ الشبه ذل ونقص، وهو العزيز الأجل ذو الجلال والإكرام، قمع بعزته وجلاله عزة كل متكبر جبار، لا يتغير أبدا، لا يفاوت في صفاته الذاتية، ولا يحيط له بحقيقة ذات، إذ الحقيقة والمائية (1) لا يقع إلا على المحدودات، وهو سبحانه محدثها، وهو على كمال تعجز عن وصفه الألباب، وتندحض الأفهام والأوهام عن درك صفاته، العزيز الأعز ذي المفاخر، الذي افتخر بفخره كل فاخر، اتضعت (2) بقدرته وقوته كل ذي قدرة وقوة، وتاه كل ذي كمال وجلال في كماله وجلاله، وخضعت الرقاب لعظمته وسلطانه، وذل كل متجبر لجبروته وكبريائه، لم يجبر الخلق على ما كلفهم، بل جبل القلوب على فطرة معرفته.
سبق المكان فلامكان، لأنه سبحانه كان ولا مكان، ثم خلق المكان، فهو على ما كان قبل خلق المكان، وهو القريب بلا التصاق، والبعيد من غير افتراق، حاضر كل خاطر، ومخطر صحيح كل خاطر، ومشاهد كل شاهد وغائب، مدرك كل فوت، ومؤنس كل أنيس، وأعلى من كل عال، وهو على كل شئ عال علوه على ما تحت التحت كعلوه على ما فوق الفوق، صفاته لا تستشعر بالمشاعر، وأوصافه لا تكيف بتكيف، وهو الشئ لا كالأشياء، ثابت لا يزول، وقائم لا يحول، سبق القبل فلا قبل