أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٤٦٥
إعلموا - أيها الإخوان المكرمون - أن من نصب كلامه لتأمل طبقات الناس - ظنا برفع نفسه عليهم - فقد خاطر، إذا التواضع به أليق، والاعتراف منه بالتقصير أوفق، والمرء يعرف بكلامه، ولسانه ترجمان عقله، وأفضل الناس عندهم من لا يدعي الكمال لنفسه، ولا يظن سلامته من خطأه، لأن الخطأ في الناس أكثر من الصواب، والجهل أغلب في الهوى، والعاقل يرى أن فوق علمه علما فيتواضع لتلك الزيادة، والجاهل يرى أن علمه فوق علم غيره فيتكبر فيمقته الله والناس، وإن أحسن الناس حالا من عرف قدره، وإن كان مع ذلك لا يعدم كاشحا يقبح إحسانه، ورب قول سليم قد أسقمه متأوله، وزلل خفي أظهره متأمله.
فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: " الأقاويل محفوظة، والسرائر مبلوة، وكل نفس بما كسبت رهينة والناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله، قائلهم باغ، ومستمعهم عائب، وسائلهم متعنت، ومجيبهم متكلف، يكاد أفضلهم رأيا أن يرده عن رأيه الرضا والغضب، ويكاد أصلبهم عودا أن تنكأه اللحظة، وتستحره الكلمة " (1).
فاختر لنفسك في لحظك ولفظك، وتدبر وانتقد ما تبديه من قولك وفعلك، واحذر عثرات قلمك، كما تحذر عثرات قدمك، فهي أعظم وصمة من زلات كلمك، لأن الخط ينقل ويبقى والكلام يذهب وينسى، وإن جهل الكتاب أثبت من جهل اللسان وإن كان أكثر خطا، لا تثبت به الحجة على صاحبه كما تثبت بخطه، فاحذره، واحذر معه آفة الخلوة وبوائق الوحدة، فإنهما يورثانك الثقة بنفسك، والاسترسال إلى رأيك.
وإذا شككت فاسأل وتبين، وظن عند كل خاطر أن غيرك أقوم بتفصيله منك، ليحثك ذلك على السؤال وأنهم إذا نظروا فيه نظر من لا يبسط عذرك ولا يحب رشدك فيعيبوه، وأنت إذا نظرت فيه نظرت بعين وامقة وأذن عاشقة، فتلقيته بنفس قابلة وطبيعة جاذبة، لأنه من لفظك وبكر فطنتك، ومنك صدر وإليك ينسب، وهو فرع أنت أصله، وحادث أنت أولة، فشفيعه هواك، فاحذره فهو موطئ زلق، والتحفظ منه شديد، ومعناه غامض، وأمره خفي، فاستعن عليه بالعقل والسؤال، ليتحقق لك الحق، ويظهر لك فيه الصدق، فإن من أعطي النصفة من نفسه، والتحفظ من الزلل، واستعمل

1 - نهج البلاغة: 535 / 343، باختلاف يسير.
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 » »»