المصالح من المفاسد.
والدلالة على حسن البعثة لذلك قيام البرهان على وجوب بيان المصالح والمفاسد للمكلف في حق المكلف، فلا بد متى علم سبحانه ما له هذه الصفة من بعثه مبينا له، ولا بد من الموت (1) المبعوث معصوما فيما يرد به من حيث كان الغرض في تعينه ليعلم المكلف المصالح والمفاسد من جهته، فلو جاز عليه الخطأ فيما يؤديه لارتفعت الثقة بأدائه، وقبح العمل بأوامره واجتناب نواهيه.
ولا بد من كونه معصوما من القبائح، لوجوب تعظيمه على الإطلاق وقبح ذمه، والحكم بكفر المستخف به مع وجوب ذم فاعل القبيح.
ولا يعلم صدقه إلا بالمعجز، ويفتقر إلى شروط ثلاثة:
أولها: أن يكون خارقا للعادة، لأنه إن كان معتادا - وإن تعذر جنسه - كخلق الولد عند الوطء، وطلوع الشمس من المشرق، والمطر في زمان مخصوص، لم يقف على مدع من مدع.
وطريق العلم بكونه خارقا للعادة، اعتبار حكمها وما يقع فيها ويميزه من ذلك على وجه لا لبس فيه، أو بحصول تحد وتوفر دواعي المتحدي وخلوصا (2) وتعذر معارضته.
وثانيها: أن يكون من فعله تعالى، لأن من عداه سبحانه يصح منه إيثار القبيح فلا يؤمن منه تصديق الكذاب، وطريق العلم بكونه من فعله تعالى، أن يكون متعدد الجنس كالجواهر والحياة وغيرهما من الأجناس الخارجة من مقدور المحدثين، أو يقع بعض الأجناس المختصة بالعباد على وجه لا يمكن إضافته إلا إليه سبحانه.
ثالثها: أن يكون مطابقا للدعوى، لأنه إن كان منفصلا عنها لم يكن مدع أولى به من مدع، وطريق ذلك المشاهدة أو خبر الصادق.
فمتى تكاملت هذه الشروط ثبت كونه معجزا، إذ (لا صدق من) (3) اقترن ظهوره بدعواه لأنه جار مجرى قوله تعالى: صدق هذا علي فيما يؤديه عني، وهو تعالى لا يصدق الكذابين.