" فصل في مسائل العدل " ثبوت ما بيناه من كونه تعالى عالما لا يصح أن يجهل شيئا، غنيا لا يصح أن يحتاج إلى شئ، يقتضي كونه سبحانه عادلا لا يخل بواجب في حكمته سبحانه ولا يفعل قبيحا، لقبح ذلك وتعذر وقوع القبيح من العالم به وبالغني (1) عنه، وذلك فرع لكونه قادرا على القبيح.
وكونه تعالى قادرا لنفسه، يقتضي كونه قادرا على الحسن، يقتضي كونه قادرا على القبيح، إذ كان الحسن من جنس القبيح، وذلك مانع من كونه مريدا للقبيح، لأنا قد بينا أنه لا يكون مريدا إلا بإرادة يفعلها، وإرادة القبيح قبيحة، لأن كل من علم مريدا للقبيح علم قبح إرادته واستحقاقه الذم، ومقتض لكونه مريدا لما فعله - تعالى - وكلفه، لاستحالة فعله ما لا غرض فيه، وتكليفه ما لا يريده، وكارها للقبيح لكونه غير مريد له (وفساد حلو ما كلفه) (2)، وإحسانه من الإرادة والكراهة، لأن ذلك يلحقه بالمباح، وموجب لكون المكلف قادرا على ما كلفه - فعلا وتركا - من متماثل الأجناس ومختلفها ومضادها قبل وقوع ذلك، ومزيح لعلته بالتمكين من ذلك والعلم به واللطف فيه، ومقتض لحسن أفعاله وتكاليفه، لأن خلاف ذلك ينقض كونه عادلا وقد أثبتناه.
ولا يعلم كون كل مكلم (3) قادرا لصحة الفعل منه، ومتعلقا بالمتماثل والمختلف والمتضاد، لصحة وقوع ذلك من كل قادر.
وفاعلا لوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة به من الكتابة والبناء وغيرهما بحسب أحواله، ولتوجيه المدح إليه على حسنها والذم على قبحها، وثبوت القادر على الفعل قبل وقوعه، لثبوت حاجة المقدور في حال عدمه إلى حال القادر، واستغنائه في حال وجوده عنها كحال بقائه، ومتمكنا بالآيات (4) من جميع ما يفتقر إليها، وبكمال العقل من العلم بذوات الأشياء وأحكامها، وبالنظر من العلوم المكتسبة، بدليل حصول الأول