كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٦٢
أقول: هذه وجوه استدل بها المانعون من المعتزلة:
الأول (1): قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على غير الأنبياء إكراما لهم لجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم، لأن الغرض هو سرورهم، وإذا جاز ذلك بلغت في الكثرة إلى خروجها عن الإعجاز.
والجواب: المنع من الملازمة لأن خروجها عن حد الإعجاز وجه قبح ونحن إنما نجوز ظهور المعجزة إذا خلا عن جهات القبح فنجوز ظهورها ما لم تبلغ في الكثرة إلى حد خروجها عن الإعجاز.
الثاني (2): قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على غير النبي لزم التنفير عن

(1) الأولى استخدام الكرامة مكان الإعجاز في هذه الموارد، لاختصاص الثاني اصطلاحا بمدعي النبوة.
وحاصل البرهان: لو صدر الإعجاز من غير النبي لكثر وقوعه فخرج عن كونه معجزا لخروجه عن كونه أمرا خارقا للعادة لكثرة وقوعه.
والجواب واضح: لأن التجويز بنحو القضية الجزئية لا ينتهي إلى حد يخرج عن كونه أمرا خارجا عن حد الإعجاز.
ولو بين الشارح البرهان والجواب مثل ما ذكرناه لكان أحسن لكنه قال: " لو جاز ظهور المعجزة على غير الأنبياء إكراما لهم، لجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم لأن الغرض هو سرورهم ".
توضيحه: إن ضماير الجمع المجرورة راجعة إلى " غير الأنبياء "، ولما كان الهدف من إعطاء الإعجاز إلى غير الأنبياء هو سرورهم وهو موجود فيما يقف عليه الناس وما لا يقف فيكثر الإعجاز، والكثرة مخرجة لها عن حده، وأنت خبير أنه لا حاجة في تقرير البرهان إلى هذا التطويل الموجب للتعقيد.
ثم إذا فرضنا أن قسما من الإعجاز مما لا يعلم به الناس فكيف يخرج عن كونه معجزا.
(2) حاصله: أن وجود الإعجاز في غير الأنبياء موجب لقلة رغبة الناس إلى الأنبياء وتفرقهم عنهم.
والجواب تارة بالنقض كما إذا كان في عصر واحد نبيان أو أنبياء لأقوام مختلفة لكل آية معجزة، وأخرى بالحل، فإن وجود الإعجاز في غيرهم لا يوجب تحقير الأنبياء، لأن لهم وراء الإعجاز صفات وملكات توجد العظمة لهم في أعين الناس.
قال الشارح في تقرير البرهان: " ولهذا لو أكرم الرئيس بنوع مأكل أحد، هان موقع ذلك النوع لمن يستحق الإكرام ".
الظاهر أن الفعل في " أكرم " مبني على المجهول، و " مأكل " بمعنى " المأكول " وقوله: " ذلك النوع " إشارة إلى المأكول، والمقصود من " لمن يستحق الإكرام " هو الرئيس، والمعنى: لو أكرم الرئيس بالمأكول المتوفر الذي يستفيد منه كل الناس لهان ذلك المأكول عند من يستحق الإكرام. ولعل للعبارة معنى آخر لم نقف عليه.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»