أقول: اختلف العقلاء هنا فالذي ذهب إليه المعتزلة أن العبد فاعل لأفعال نفسه واختلفوا فقال أبو الحسين إن العلم بذلك ضروري وهو الحق الذي ذهب إليه المصنف (ره) وقال آخرون إنه استدلالي وأما جهم بن صفوان فإنه قال إن الله تعالى هو الموجد لأفعال العباد وإضافتها إليهم على سبيل المجاز فإذا قيل فلان صلى وصام كان بمنزلة قولنا طال وغنى (وقال) ضرار بن عمرو والنجار وحفص الفرد وأبو الحسن الأشعري أن الله تعالى هو المحدث لها والعبد مكتسب ولم يجعل لقدرة العبد أثرا في الفعل بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى وهذا الاقتران هو الكسب وفسر القاضي الكسب بأن ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى وكونه طاعة ومعصية صفتان واقعتان بقدرة العبد (وقال) أبو إسحق من الأشاعرة أن الفعل واقع بمجموع القدرتين والمصنف (ره) التجأ إلى الضرورة هيهنا فإنا نعلم بالضرورة الفرق بين حركة الحيوان اختيارا وحركة الحجر الهابط ومنشأ الفرق هو اقتران القدرة في أحد الفعلين به وعدمه في الآخر.
قال: والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب (1).
أقول: لما فرغ من تقرير المذهب شرع في الجواب عن شبهة الخصم وتقرير الشبهة الأولى إن صدور الفعل من المكلف أما أن يقارن تجويز لا صدوره أو امتناع لا صدوره والثاني يستلزم الجبر والأول أما أن يترجح فيه الصدور على اللاصدور لمرجح أو لا لمرجح والثاني يلزم منه الترجيح لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال والأول يستلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما يجب معه