كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الزنجاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٢٥٨
معارض (1) بالنظر الصحيح فإن شرط اعتقاد حقية المقدمات في الصحيح شرطناه نحن في الفاسد أيضا.
قال: وحصول العلم عن الصحيح واجب.
أقول: اختلف الناس هنا فالمعتزلة على أن النظر مولد للعلم وسبب له والأشاعرة قالوا إن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر وليس النظر موجبا ولا سببا للعلم واستدلوا على ذلك بأن العلم الحادث أمر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات فاعل لها على ما يأتي في خلق الأعمال فيكون العلم من فعله والمعتزلة لما أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانية إلى الله تعالى بطل عندهم هذا الاستدلال ولما رأوا العلم يحصل عقيب النظر وبحسبه وينتفي عند انتفائه حكموا عليه بأنه سبب له كما في سائر الأسباب والحق أن النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ولا يمكن تخلفه عنه فإنا نعلم قطعا أنه متى حصل لنا اعتقاد المقدمتين فإنه يجب حصول النتيجة قالت الأشاعرة التذكر لا يولد العلم فكذا النظر بالقياس عليه والجواب الفرق بينهما.
قال: ولا حاجة إلى المعلم.
أقول: ذهبت الملاحدة إلى أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل لا بد من معونة من المعلم للعقل لتعذر العلم بأظهر الأشياء وأقربها من دون مرشد وأطبق العقلاء على خلافه لأنه متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلم أو لا وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء لا يدل على امتناعها مطلقا من دون المعلم وقد ألزمهم المعتزلة والأشاعرة الدور والتسلسل لتوقف العلم بصدقه على العلم بتصديق الله تعالى إياه بواسطة المعجزة فلو توقفت المعرفة بالله تعالى عليه دار ولأن احتياج كل عارف إلى معلم

(1) بيان المعارضة بأن يقال إن النظر الصحيح لا يستلزم العلم وإلا لكان المبطل إذا نظر في دليل المحق أفاده العلم ولكنه لا يفيده لأنه معتقد ببطلان الدليل.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»