فأما قول صاحب الكتاب في هذا الفصل: (إن تخلف ابن عمرو سعد ومحمد بن مسلمة عن البيعة لم يكن على سبيل الخلاف، وإنما كرهوا قتال المسلمين، ولم يتشدد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عليهم، بل تركهم (1) فليس بصحيح لأن المروي المعروف أن بعضهم اعتذر بحديث القتال، وبعضهم التمس أن تكون البيعة بالاجماع، ويكون الاختيار بعد الشورى، وإجالة الرأي وليس الامتناع من المقاتلة، بموجب أن يمتنعوا من البيعة، وقد كان يجب أن يبايعوه ولا يمتنعوا من الدخول فيما وجب عليهم عند صاحب الكتاب الدخول فيه، فإذا التمس منهم القتال اعتذروا وامتنعوا، وإن كانت البيعة تشتمل على القتال وغيره. فقد كان يجب أن يبايعوا ويستثنوا القتال، وفي ترك أمير المؤمنين عليه السلام حملهم على الواجب في هذا الباب وإظهار التهاون بهم. وقلة الفكر فيهم، دلالة على ما قدمناه من أن بيعته لم تنعقد بالاختيار.
فأما تعاطي صاحب الكتاب في هذا الفصل إبطال قول من ادعى في ثبوت الإمامة مراعاة الإجماع فلو صح لم يكن نافعا له، لأنه إذا بطل بما ذكره مراعاة الإجماع، وبطل بما ذكرناه مراعاة العدد المخصوص الذي بينه فيجب أن يكون ذلك دليلا على فساد الاختيار، وعلما على أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص فكيف وما ذكره غير صحيح؟ ويمكن من راعى الإجماع في الإمامة أن يطعن في قوله أنه لو كان لا يثبت عقد الإمامة إلا بالإجماع لا يتم أبدا لأن الناس يختلفون في المذاهب وبعضهم يكفر بعضا، ويفسقه ولا يرضى كل فريق بما يختاره الآخر بأن يقول الإجماع المعتبر هو إجماع أهل الحق والمؤمنين، ولا اعتبار بالكفار ولا بالفساق إذا كانوا ليسوا