إلي فحبسني، وهذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير في أن الخلاف كان واقعا، والرضا كان مرتفعا والأمر إنما تم بالحيلة والمكر والخداع، وأول شئ مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الأمر ليتمكن من صرفه إلى من يريد، وليقال أنه لولا إيثار الحق، وزهده في الولاية لما أخرج نفسه، ثم عرض على أمير المؤمنين عليه السلام ما يعلم أنه لا يجيب إليه، ولا تلزمه الإجابة إليه من السيرة فيهم بسيرة الرجلين، وعلم أنه لا يتمكن من أن يقول: إن سيرتهما لا تلزمني، لئلا ينسب إلى الطعن عليهما، وكيف يلزم سيرتهما وكل واحد منهما لم يسر بسيرة صاحبه، بل اختلفا وتباينا في كثير من الأحكام، هذا بعد أن قال لأهل الشورى: وثقوا لي من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا خرجت نفسي، فأجابوه على ما رواه أبو مخنف بإسناده إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه قال: أنظر، لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة فأخبره عبد الرحمن بما عرض، وبإجابة القوم إياه إلا عليا عليه السلام، فأقبل أبو طلحة على علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن إن أبا محمد ثقة لك وللمسلمين فما بالك تخالفه وقد عدل بالأمر عن نفسه، فلن يتحمل المأثم لغيره فاحلف علي عليه السلام عبد الرحمن أن لا يميل إلى هوى، وأن يؤثر الحق، ويجتهد للأمة، ولا يحامي ذا قرابة، فحلف له، وهذا غاية ما تمكن منه أمير المؤمنين عليه السلام في الحال، لأن عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الأمر ظنت به الجماعة الخير، وفوضوا إليه الاختيار، فلم يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يخالفهم، وينقض ما اجتمعوا عليه، فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه وصرح بما يخاف من جهته من الميل إلى الهوى وإيثار القرابة غير أن ذلك كله لم يغن شيئا.
وأما قول صاحب الكتاب: (إن دخوله عليه السلام في الشورى