وإن قال: العقل لا يحيل ما رويتموه وإنما يعلم فساده من جهة أخرى.
قيل له: فلم جمعت بين الروايتين وشبهت بين الأمرين وهما مختلفان متباينان؟
وبعد، فكما غلا قوم في أمير المؤمنين عليه السلام هذا الضرب من الغلو فقد غلا آخرون فيه بالعكس من هذا الغلو فذهبوا إلى ما تقشعر من ذكره الجلود، وكذلك قد غلا قوم ممن لا يرتضي صاحب الكتاب طريقته في أبي بكر وعمر وعثمان، وأخرجهم غلوهم إلى التفضيل لهم على سائر الملائكة، ورووا روايات معروفة تجري في الشناعة مجرى ما ذكره عن أصحاب الحلول، فلو عارضه معارض فقال له: ما روايتكم في علي ما تروونه إلا كرواية من روى كيت وكيت وذكر ما ترويه الشراة، وتدين به الخوارج، وما روايتكم في أبي بكر وعمر وعثمان ما تروونه من التفضيل والتعظيم إلا كمن روى كذا وكذا، وذكر طرفا مما يروونه الغلاة ما كان يكون جوابه، وعلى أي شئ يكون معتمده؟! فإنه لا تنفصل عن ذلك إلا بمثل ما انفصلنا عنه.
فأما حكايته عن أبي علي معارضته لمن ذهب إلى أن غضب فاطمة عليها السلام كغضب رسول الله صلى الله عليه وآله بما رواه من (أن حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق) فمن بعيد المعارضة، لأنا إنما احتججنا بالخبر الذي حكيناه من حيث كان مجمعا عليه غير مطعون عليه لا محالة، ولا مختلف فيه، والخبر الذي رواه غير مجمع عليه وإنما يرويه قوم ويدفعه آخرون، ويقسمون على بطلانه، وكيف يعارض الأمران؟ وكيف يقابل المعلوم، والمجمع عليه، المتفق على تصديقه ما هو مدفوع مكذوب.
فأما قوله: (إن من يورد مثل ذلك إنما قصده تضعيف دلالة