الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٨٩
وبعد، فليس يخفى كلام من قصده الحكاية، وذكر المقالة من كلام المشيد لها، الجاهد له (1) نفسه في تصحيحها وترتيبها. ومن وقف على كتب الجاحظ التي ذكرناها علم أن قصده لم يكن الحكاية، وكيف يقصد إلى ذلك من أورد من الشبه والطرف ما لم يخطر كثير منه ببال أهل المقالة التي شرع في حكايتها. وليس يخفى على المنصفين ما في هذه الأمور.
وأما أبو حفص الحداد فلسنا ندري من أي وجه أدخل في جملة الشيعة. لأنا لا نعرفه منهم، ولا منتسبا إليهم، ولا وجد له قط كلام في الإمامة، وحجاج عنها؟ فليس ادعاؤه أنه من جملتهم من تبريهم منه، وأنه لم يظهر منه ما يقتضي لحوقه بهم إلا كادعائهم عليه أنه من المعتزلة فليس بعده من أحد المذهبين إلا كبعده من الآخر.
فأما أبو عيسى الوراق فإن التثنية (2) مما رماه بها المعتزلة، وتقدمهم في قذفه بها ابن الراوندي لعداوة كانت بينهما، وكانت شبهته في ذلك وشبهة غيره تأكيد أبي عيسى لمقالة الثنوية في كتابه المعروف ب‍ (المقالات) وإطنابه في ذكر شبهتهم، وهذا القدر إن كان عندهم دالا على الاعتقاد فليستعملوه في الجاحظ وغيره ممن أكد مقالات المبطلين ومحضها وهذبها (3) فأما الكتاب المعروف ب‍ (المشرقي) وكتاب (النوح على البهائم) فهما

(1) المشيد: الباني والجاهد: المجد والضمير في له ل‍ " كلام ".
(2) التثنية: هي القول بالاثنين الأزليين. ويقال لأصحاب هي العقيدة الثنوية.
لأنهم يزعمون: أن النور والظلمة أزليان قديمان، أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 244.
(3) محضها: خلصها عما يخالطها. وهذبها: نقاها.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»