وقعت بين جبريل وميكائيل، ولم يجيء في ما رووه هم ذكر الكسب والتوسط بزعمهم، ولاذكر في المناظرات منذ عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عصر الأشعري، وكانت المناظرة في خلق الافعال لا تزال، وما كان الناس إلا فرقتين جبرية وعدلية. إلى أن قال: ومن عجائبهم تصدرهم للوعظ، وكثرة تصنيفهم فيه، ومذهبهم يقتضى أن هذا من جملة العبث، إذ لا حاصل فيه إن لم يخلق الله الطاعة، ومع خلقه لها لا حاجة إلى الوعظ، ولا يصلح أن يكون الوعظ سببا لخلق الله الطاعة، إذ لا تكون أفعاله تعالى ناشئة عن علل كما هو مذهبهم.
ومن تصفح ما تعلقوا به في اثبات مذهبهم على أنهم جبرية، فقولهم : لا موجد إلا الله لو سألتهم عن الكسب الذي لا تدرك ماهيته، هل أوجده العبد باختياره؟ وقدرته المؤثرة، أو الله سبحانه الذي أوجده ؟ لقالوا: الله الذي أوجده إذ ليس للعبد قدرة مؤثرة، وهذا الجبر ، وإن قالوا بالأول فهو مذهب أهل العدل.
حكاية روى عن أبي حنيفة قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله فسلمت عليه وقمت من عنده، ورأيت ابنه موسى في دهليزه قاعدا في مكتبه ، وهو صغير السن، فقلت له أين يحدث الرجل عندكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي، ثم قال: يتجنب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار، وافناء الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث شاء.
قال: فلما سمعت هذا القول نبل في عيني وعظم في قلبي، فقلت