فصل وأما الكسب فقالت العدلية: هو أمر لا تحقق له، وعباراتهم ترجع إلى الجبرية، لأنهم فسروا الكسب بما يرجع إلى المحلية، أي ان العبد محل لما يجريه الله عليه من الافعال، فلا يجعلون الكافر هو الموجد لكفره، بل الله تعالى هو الذي أوجده، واثر فيه ، وليس للعبد أثر في شئ من أفعاله إذ ليس عندهم قدرة مؤثرة.
والمحققون منهم قد عرفوا أن كلامهم كلام الجبرية بعينه، ولهذا تجد الرازي لا يتحاشى من نسبتهم جبرية، لعرفانه أن كلامهم محض الجبر، وقد سبق له كلام في ذلك.
وكذا صرح السمرقندي في الصحائف، وصرح الجويني في مقدمات كتابه البرهان: بأن الكسب تمويه، بل لو سئلوا عن كل جزء من أجزاء الفعل، وما يترتب عليه هل من الله أو من العبد؟ فإن كان من الله فهو الجبر، وتعطل معنى الكسب، والجزء الاختياري.
وإن كان من العبد، ولو جزءا ما فهو مذهب أهل العدل، فما مرادهم إلا أن العبد استقل بالتأثير في شئ ما، فليس لهم جواب عن هذا السؤال إلا بالجبر أو العدل، وما زادوا على تفسيره بالمحلية، وما خرجوا عن زمرة الجبرية.
قال بعض العدلية: الأشاعرة تحيروا، وحيروا أتباعهم، وصاروا يوهمون أنهم على شئ، وأنهم متمسكون بذنب الحق، وهو في طرف الضلال، وعجزوا عن التعبير عن هذا الخيال، وهم في الباطن معترفون بأنهم في حومة الاشكال، ألا ترى أن التفتازاني، وهو من أشدهم في نصرة الأشعري، ولو بمجرد الجدال قد اعترف