مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ١٨٩
والأداة آلة في ذلك قدم بحثهما فقال (طرفاه) أي المشبه والمشبه به (اما حسيان كالخد والورد) في المبصرات (والصوت الضعيف والهمس) أي الصوت الذي أخفى حتى كأنه لا يخرج عن فضاء الفم في المسموعات (والنكهة) وهي ريح الفم (والعنبر) في المشمومات (والريق والخمر) في المذوقات (والجلد الناعم والحرير) في الملموسات.
وفى أكثر ذلك تسامح لان المدرك بالبصر مثلا انما هو لو الخد والورد وبالشم رائحة العنبر وبالذوق طعم الريق والخمر وباللمس ملاسة الجلد الناعم والحرير وليتهما لا نفس هذه الأجسام لكن اشتهر في العرف ان يقال أبصرت الورد وشممت العنبر وذقت الخمر ولمست الحرير (أو عقليان كالعلم والحياة) ووجه الشبه بينهما كونهما جهتي ادراك كذا في المفتاح والايضاح.
فالمراد بالعلم ههنا الملكة التي يقتدر بها على الادراكات الجزئية لا نفس الادراك.
ولا يخفى انها جهة وطريق إلى الادراك كالحياة.
وقيل وجه الشبه بينهما الادراك إذ العلم نوع من الادراك والحياة مقتضية للحس الذي هو نوع من الادراك وفساده واضح لان كون الحياة مقتضية للحس لا يوجب اشتراكهما في الادراك على ما هو شرط في وجه الشبه.
وأيضا لا يخفى ان ليس المقصود من قولنا العلم كالحياة والجهل كالموت ان العلم ادراك كما أن الحياة معها ادراك بل ليس في ذلك كثير فائدة كما في قولنا العلم كالحس في كونهما إدراكا (أو مختلفان) بان يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا (كالمنية والسبع) فان المنية أي الموت عقلي لأنه عدم الحياة عما من شانه الحياة والسبع حسي أو بالعكس (و) ذلك مثل (العطر) الذي هو محسوس مشموم (وخلق كريم) وهو عقلي لأنه كيفية نفسانية يصدر عنها الافعال بسهولة.
والوجه في تشبيه المحسوس بالمعقول ان يقدر المعقول محسوسا ويجعل كالأصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة والا فالمحسوس أصل للمعقول لان العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها فتشبيهه بالمعقول يكون من جعل الفرع
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»