بأن احتمال الاستحباب من الصحيحة ليس بأقوى من احتمال جريها مجرى التقية وإن يكون المراد بقوله عليه السلام أما الغلات فعليها الصدقة واجبة وجوبها في تلك الأزمنة من باب التقية حيث أن زكاة الغلات وكذا المواشي كانت مما يأخذه منهم بمقتضى العادة عامل السلطان المنصوب من قبله على جباية الصدقات فدواعي التقية بالنسبة اليهما كانت قوية وهذا بخلاف زكاة النقدين ومال التجارة حيث لا يطلع على مواردها غالبا إلا من بيده المال فمن هنا تردد بعض متأخري المتأخرين أو رجح القول بعدم الاستحباب أيضا وهو أيضا لا يخلو من إشكال فالحكم موقع تردد وإن كان الحكم الاستحباب جمعا بين الأدلة كما هو مشهور أشبه بالقواعد ولكن الترك أحوط هذا بالنسبة إلى غلاته وأما مواشيه فلم يدل دليل على وجوب الزكاة فيها عدا العمومات التي عرفت حالها ولا على استحبابها عدا ما قد يدعى من عدم القول بالفصل بينهما وبين الغلات وهو أيضا غير ثابت ولذا مال جماعة من متأخري المتأخرين على ما حكى عنهم إلى القول بالعدم والله العالم وكيف ما قلنا من الوجوب أو الاستحباب في الموضع الذي التزمنا بشرعيتها فيه فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه لأنه هو الذي له ولاية التصرف في ماله فعليه الخروج عن عهدة هذا الحق كغيره من الحقوق المتعلقة بماله مضافا إلى دلالة بعض النصوص السابقة عليه وقيل ربما ينسب إلى الأكثر بل المشهور حكم المجنون حكم الطفل في جميع ما تقدم حتى في استحباب الزكاة في غلاته ومواشيه أو وجوبها على القول به فيهما ولم نقف على دليل يعتد به على التسوية بل عن المصنف في المعتبر بعد أن نقل عن الشيخين القول بمساواة المجنون للطفل في وجوب الزكاة في غلاته ومواشيه مطالبتهما بدليل ذلك والتعريض عليهما بكونه قياسا مع الفارق وكيف كان فالأصح كما أعترف به غير واحد من المتأخرين وفاقا للمصنف (ره) أنه لا زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا كما يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة من أهلنا مختلطة أعليها زكاة فقال إن كان عمل به فعليها الزكاة وإن كان لم يعمل به فلا وخبر موسى بن بكير قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها هل عليه زكاة قال إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة وهذان الخبران وإن كان ظاهرهما الوجوب ولكن يتعين حملهما على الاستحباب جمعا بينهما وبين غيرهما مما تقدمت الإشارة إليه في مال الطفل ثم أن المنساق من الخير خصوصا ثانيهما ورودهما في المال الصامت فاستفادة نفى الزكاة في مواشيه وغلاته ما لم يتجر بهما من إطلاق هذين الخبرين لا يخلو من نظر فعمدة المستند لذلك هو الأصل بعد قصور أدلة الزكاة عن شمول مال المجنون لان ما كان منها مسوقا لبيان الحكم التكليفي الدال على الحكم الوضعي بالالتزام فهو مخصوص بالعاقلين بحكم حديث رفع القلم عن المجنون حتى يفيق و ما كان من قبيل الخطاب الوضعي من مثل قوله فيما سقته السماء العشر ونظائره فإطلاقه وارد مورد حكم آخر لا يصح التمسك به لا ثباتها على المجنون كما تقدم التنبيه عليه في الفرع السابق فليتأمل ثم إن ظاهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية وكذا المنساق من الخبرين المتقدمين ان العقل كالبلوغ والحرية والتمكن من التصرف من شرائط تعلق الزكاة بالمال فمال المجنون كمال الصبي والمملوك والمال الغائب والدين والمفقود خارج عن موضوع هذا الحكم فلا يتفاوت الحال حينئذ بين كون المجنون أطباقيا أو أدواريا فمتى عرضه الجنون خرج ماله عن الموضوع الذي وجبت الزكاة فيه كما يفصح عن ذلك إطلاق حكمهم بنفي الزكاة في مال المجنون من غير تعرض في كلمات من تقدم على العلامة على ما قيل للمطبق والادواري وتصريح العلامة في تذكرته ومحكي نهايته بأنه لو كان الجنون بصورة أدوار أشترط الكمال طول الحول فلو جن في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده نعم فرق بينهما في المدارك فقال ما لفظه إنما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق وأما ذو الادوار فالأقرب تعلق الوجوب به في حال الإفاقة إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال ثم نقل قول العلامة في التذكرة كما نقلناه وأورد عليه بأنه مشكل لعدم الظفر بما يدل على مدعاه ثم نقل عنه أيضا أنه قال وتجب الزكاة على الساهي والنائم والمغفل دون المغمى عليه لأنه تكليف وليس من إهله وأعترض عليه بما لفظه وفي الفرق نظر فإنه إن أراد أن المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الاغماء فمسلم لكن النائم كذلك وإن أراد كون الاغماء مقتضيا لانقطاع الحول وسقوط الزكاة كما ذكره في ذوي الادوار طولب بدليله وبالجملة فالمتجه مساواة الاغماء للنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرها من التكاليف وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك في أثنائه إنتهى أقول إن كان مستند الحكم بنفي الزكاة في مال المجنون عدم أهليته لتوجه الخطاب إليه بأدائها كما هو مقتضى استدلالهم له بحديث رفع القلم لتوجه عليهم الاعتراض بأن هذا إنما هو في حال جنونه وأما بعد إفاقته فلا مانع من أن يخاطب بتزكية أمواله كما في النائم بعد أن استيقظ ولا يختص هذا الاعتراض بذي الادوار بل في الاطباقي أيضا إذا أفاق يصح أن يتوجه إليه الخطاب بتزكية أمواله التي مضى عليه الحول فيما مضى وكذلك الصبي بعد بلوغه فهذا يكشف عن عدم تمامية هذا الدليل ولذا ناقشنا في الاستدلال به على نفي الزكاة في مال الصبي والمجنون وإنما العمدة في ذلك الأخبار الدالة عليه وعدم الخلاف فيه في الجملة بين الأصحاب وقصور أدلة الزكاة عن إثبات تعلقها بمال غير البالغ و المجنون فلا وجه للتفصيل بين الجنون الاطباقي و الإدواري إلا أن يدعي خروج الادواري عن منصرف أدلته فعلى هذا لا يتفاوت الحال بين إن يكون وقت جنونه وإن تعلق الزكاة بماله وهو وقت انعقاد الحب في الزرع واصفرار التمر أو احمراره في النخل مثلا أو في سائر الأوقات وكذا بالنسبة إلى ما يعتبر فيه الحول بين ابتداء الحول وبين انتهائه بل ولا بين ما لو كانت عادته إن يجن سنة كاملة ويفيق سنة في أنه يجب عليه بعد إفاقته أن يؤدي الزكاة التي تعلقت بماله ولو في حال جنونه إذ المفروض عدم كون مثل هذا الجنون مانعا عن تعلق الزكاة بماله وإن كان معذورا في أدائها حال جنونه كالنائم وهذا مما لا يلتزم به المفصل المزبور على ما يظهر من دليل إن قلت إذا كان جنونه مستوعبا لتمام الحول أو حاصلا حال تعلق الوجوب بالمال لا يتناوله عمومات أدلة الزكاة بالتقريب الذي عرفته أنفا قلت فعلى هذا ليس المدار على كون جنونه إدواريا أو إطباقيا بل على كونه مجنونا حال تعلق الوجوب بماله وهذا بالنسبة إلى مثل الزرع والنخل مما لا يعتبر فيه
(٦)