إن صنعة أول معجم في أية لغة من اللغات على نحو وترتيب جديدين لا سابق لهما، لهو من أعمال الصفوة العباقرة الخالدين.
ولا أريد أن أعرض للرأي القائل إن الخليل قد اهتدى إلى شئ من علمه اللغوي والنحوي بسبب ما أفاده مما ترجم من العلم الإغريقي. ذكر هذا جماعة من المستشرقين ثم خلف من بعدهم آخرون من المشارقة فأعادوا هذه المقولة التي تفتقر كل الافتقار إلى الدليل التاريخي.
قلت: إن الخليل قد أحصى العربية احصاء تاما، وبذلك هيأ مادة مصنفة معروفة لمن جاء بعده من اللغويين الذين صنفوا معجمات لقد اهتدى الخليل إلى طريقة " التقليب " التي استطاع بها أن يعرف المستعمل من العربية والمهمل فعقد الكتاب على المستعمل وأهمل ما عداه.
حتى إذا تم احصاء اللغة من الثنائي إلى الثلاثي فالرباعي فالخماسي كان ذلك ايذانا ببدء مرحلة التدوين العلمي للعربية.
ومع ذلك لم يستطع معاصروه أن يضيفوا شيئا أو يقوموا بما قام به كما لم يستطع من خلفه أن يأتي بما أتى. كان كل جهد الذين خلفوا الخليل أن يفيدوا من نظام العين فيصنفوا معجمات اتخذ أصحابها منه أساسا لهما كما فعل ابن دريد في الجمهرة والأزهري في " التهذيب ".
ان عملية احصاء العربية وحدها تعد العملية الكبرى التي هيأت لجميع أصحاب المعجمات المطولة المادة التي عقدوا عليها أبوابهم وفصولهم.
ونستطيع أن نؤكد أن أضافه هؤلاء إلى ما جاء به الخليل لا تتناول المواد الأساسية بل هي إضافات ثانوية كزيادة في الشواهد من شعر وقرآن وحديث أو نسبة أبيات إلى أصحابها لم تنسب في " العين ".
ولعلنا نجد في المعجمات المطولة كلسان العرب وتاج العروس أشياء لا نجدها في