وهكذا كانت الحال مع أبي علي القالي الذي أشاع نفي نسبة العين إلى الخليل في ربوع الأندلس التي رحل إليها، ولقن تلاميذه تلك الأفعولة التي افتعلها ذهن أبي حاتم السجستاني، وحبه لنفسه وتعصبه على كل ما ليس بصريا، وما لم يصل إليه علمه وراح تلميذه أبو بكر الزبيدي يردد ما تلقاه عنه في غير وعي.
وإذا أنكر عليه من في الأندلس من الدارسين حملته على كتاب العين ونفي نسبته إلى الخليل والطعن عليه بالتخليط والخلل والفساد أخذ يدري حملات الدارسين عليه بالثناء على الخليل " أوحد العصر وقريع الدهر، وجهبذ الأمة، وأستاذ أهل الفطنة، الذي لم ير نظيره، ولا عرف في الدنيا عديله ". (1) ولكنه ما زال ينفي أن يكون العين كتاب الخليل مرددا مزاعم أبي حاتم الجستاني في نفيه نسبته إلى الخليل، محتجا بحجته، زاعما. أن فيه من الخطأ " ما لا يذهب على من شدا شيئا من النحو، أو طالع بابا من الاشتقاق والتصريف " (2).
ولكنه لم يعزر زعمه بذكر أمثله التخليط والخلل والفساد، حتى إن السيوطي بعد أن اقتبس من كتابه المسمى باستدراك الغلط الواقع في كتاب العين قال: " وقد طالعته إلى اخره فرأيت وجه التخطئة فما خطئ فيه غالبه من جهة التصريف والاشتقاق كذكر حرف مزيد في مادة أصلية، أو مادة ثلاثية في مادة رباعية، ونحو ذلك. وبعضه ادعى فيه التصحيف، وأما أنه يخطأ في لفظة من حيث اللغة بأن يقال: هذه اللفظة كذب، أولا تعرف فمعاذ الله لم يقع ذلك " (3) وإذا كان الامر كما قال السيوطي لم يكن يقتضي كل تلك الضجة ولا كل ذلك التشهير، وكان من الانصاف لكتاب العين أن يحمل ما زعموا من تخليط وخلل وفساد على أنه من عبث الوراقين وجهل النساخ، كان يسيرا. لو حسنت النية، أن يقوم الكتاب،