وجوار الملك العلام، بعد أن قاسى مرارات السموم مرة بعد مرة، وتجرع كاسات الهموم مرة بعد مرة، ومض حرارات السجون كرة بعد كرة، جاءت إليه حبابة الوالبية (رض) تطلب منه دلالة الإمامة، كما طلبت من آبائه أهل العصمة عليهم السلام والكرامة، فأشار إليها بأن تأتيه بتلك الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين (ع)، وأمرها بأن تأتي بها أولاده المعصومين لتميز لها الفرق ممن يدعي الإمامة بين المحقين والمبطلين، فطبع لها فيها بخاتمه الشريف حيث كانت تحت يده كالعجين، وعاشت بعد ذلك تسعة أشهر ثم انتقلت إلى رحمة رب العالمين.
وفي خبر آخر: أنها لما صارت إلى الرضا (ع) ورأت شخصه الكريم ضحكت فقالوا: قد خرفت يا حبابة ونقص عقلك، فقال (ع): ما خرفت حبابة ولا نقص عقلها، ولكن جدي أمير المؤمنين (ع) أخبرها بأنها عند لقائي تكون منيتها وأنها تكون من المكرورات مع المهدي (ع) عجل الله فرجه من ولدي، فضحكت شوقا لذلك وسرورا به وفرحا بقربها منه، فقالوا: نستغفر الله يا سيدنا ما علمنا هذا فقال: يا حبابة ما قال لك جدي أمير المؤمنين (ع) إنك ترين؟
قالت: قال لي إنك ترين برهانا عظيما فقال لها: يا حبابة أما ترين بياض شعرك؟ قالت: بلى يا مولاي قال: فتحبين أن تريه أسودا حالكا في عنفوان شبابك؟ قالت نعم، قال (ع) يجزيك ذلك أو أزيدك؟
قالت: زدني من فضل الله عليك قال: أفتحبين أن تكوني مع سواد الشعر شابة؟ قالت: نعم، فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه فعادت شابة غضة سوداء الشعر، ثم قامت فتشت نفسها فرأتها بكرا ثم قالت: النقلة إلى الله تعالى فلا حاجة لي في الدنيا، فقال (ع): ادخلي إلى أمهات الأولاد فجهازك هناك مفرد، فلم تلبث إلا مقدار ما عاينت جهازها حتى تشهدت وتوفيت رحمها الله تعالى. فقال (ع) رحمك الله يا حبابة، ثم أمر (ع) بتجهيزها فجهزت وصلى عليها مع شيعته وحملت إلى حفرتها وأمر (ع) بزيارتها وتلاوة القرآن والتبرك بالدعاء عندها.