هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكانت ذلك أعمل الأشياء في إفادته نفسه (ع).
وفي خبر عن عمر بن واقد، قال: إن هارون لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر (ع)، وما كان يبلغه من قول الشيعة بإمامته واختلافهم بالليل والنهار خشية منه على نفسه وملكه، ففكر في نفسه أن يقتله بالسم، ثم دعا برطب فأكل منه ثم أحضر صينية فوضع فيها عشرين رطبة وأخذ سلكا ففركه بالسم وأدخله في سم الخياط وأخذ رطبة من ذلك الرطب وأقبل يردد ذلك السم فيها واستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب، وقال للخادم:
احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له إن أمير المؤمنين قد أكل من هذا الرطب وتنغص لك وهو يقسم عليك إلا ما أكلتها عن آخرها لأني اخترتها بيدي، فلا تتركه يبقي منه شيئا ولا تطعم منه أحدا، فأتاه به الخادم وأبلغه الرسالة وقال: آتني بخلال: فناوله خلالا وقام بأزائه وهو يأكل (ع) من ذلك الرطب وكان للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت وكان فيها سلاسل من ذهب وجوهر، فجاءت عند موسى بن جعفر (ع) فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة فرمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت برجلها الأرض وتقطعت قطعة قطعة، واستوفى (ع) باقي الرطب وحمل الغلام الصينية وأتى بها الرشيد فقال الرشيد: قد أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم فقال: كيف رأيته حين أكله؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين، ثم أورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرأت وماتت، فقلق الرشيد قلقا شديدا ثم وقف على الكلبة فوجدها متهرتة بالسم، فأحضر الخادم ودعا له بسيف ونطع وقال له تصدقني عن خبر الرطب والكلبة وإلا قتلتك فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إليه وبلغته رسالتك وقمت بأزائه فطلب مني خلالا فدفعته إليه فأقبل يغرز رطبة بعد رطبة ويأكلها حتى جاءت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب ورمى بها للكلبة فأكلتها فما لبثت أن تهرأت وأكل هو باقي الرطب فكان الامر كما كان، فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما ربحنا من موسى إلا أنه أطعمناه جيد