نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ١٤٣
وقد استطاع السيد العسكري أن يتخلص في بحثه هذا من العيوب التي تعترض سبيل الباحث العلمي فنظر في بحثه نظرة موضوعية مجردة عن الأشخاص وأقدارهم وعن جميع الغايات إلا غاية واحدة، وهي الحق لذاته، ومن ثم استطاع أن يترك العاطفة جانبا وأن يطرح الأهواء وراءه ظهريا، فالتزم في بحثه هذا حكم العقل وحده كما أنه تحرز من التعصب الأعمى، فلم يتعصب لرأي على رأي ولا لحزب على حزب، ولو كان في هذا الحزب مذهبه وليس جمال البحث في أنه وضع دستورا لهذا البحث، وإنما الجمال الحقيقي الذي يلفت نظر الباحثين ويستولي على إعجابهم فضلا عن تقديرهم - هو: أنه استطاع أن يطبق هذا الدستور تطبيقا عميقا في بحثه هذا، وأن يقف من أحاديث أم المؤمنين موقفا حازما يجلي الحقيقة في أبهى حللها حين آثر الحقائق على أقدار الأشخاص وقديما لفت نظري وأنا أخرج كتابي (الإسراء والمعراج) في ضوء المنهج العلمي الحديث، أن ألتقي بحديث مروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - تنفي فيه كون الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معا، وتصر على أنها كانا بالروح، وقد وافقها على هذا الرأي جماعة من الصحابة منهم معاوية ابن أبي سفيان (1) فكانت هذه عندي أول ثلمة داخلني فيها الشك في صحة بعض ما روي لنا عن أم المؤمنين من أحاديث فحفزني ذلك على أن أبحث عن بعض ما جاءنا من هذه الأحاديث، ولكن يأبى الله إلا أن ينفرد الأستاذ العسكري بنقد أحاديث أم المؤمنين عائشة وأن يتناول دراسة أسانيدها

1 - الدكتور حامد حفني داود (الإسراء والمعراج في ضوء المنهج العلمي الحديث ص 36.
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»