افتتحت في يثرب بعد مدرسة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وقد عنت هذه المدرسة بعلوم الشريعة الإسلامية ولم تتجاوزها، أما مؤسسوها وأساتذتها فهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد.
ومن الجدير بالذكر أن بعض هؤلاء العلماء كانوا ممن تتلمذ على يد الإمام زين العابدين (عليه السلام) وأخذوا عنه الحديث والفقه.
وعلى أي حال، فلم تعرف الأمة في ذلك العصر عائدة أعظم ولا أنفع من عائدة الإمام (عليه السلام) عليها، وذلك بما أسس في ربوعها من مدرسته العلمية، وبما فتح لها من آفاق الفكر والعلم والعرفان.
ومما لا شك فيه أن الإمام السجاد (عليه السلام) ترك لنا تراثا ضخما من الفكر والأدب والعلوم الإنسانية (1)، التي شيد على أساسها من بعده أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لا سيما الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، مدرستهم الفقهية والحديثية.
كما أن الإمام السجاد (عليه السلام) حرك الضمير الثوري عند الإنسان المسلم، وخلصه من حالة الاستسلام والانهيار، وتوعيته بعدم التنازل عن شخصيته الإسلامية وكرامته للحكم المنحرف.
واستمرت هذه المدرسة تبث إشعاعاتها إلى أواسط القرن الثاني الهجري تقريبا، وانتقلت بعدها إلى الكوفة في أواخر حياة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، إثر انتقاله إليها كما سيأتي الحديث عنه.