من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ١٩٩
E / في المعجزة الأخلاقية بعض الناس يتصور الاستسلام الذليل بين يدي المعتدي نوع من الأخلاق الحسنة، ولكن الحسين (عليه السلام) يراه إلى الجبن والرذيلة أقرب منه إلى الأخلاق الحسنة.
فليس من الأخلاق أن لا ترد على الذي يطغى في غيه ويتجاوز حده في المكابرة، بل لابد من الرد حسب المقدرة وكما يقتضيه الموقف، إما باليد أو اللسان أو القلب، وهذا نهاية الممكن، ولقد علمنا الحسين (عليه السلام) وجوب الرد على الباطل والرذيلة بالتدرج وفق موجباته وفوائده.
لبيان هذا الأمر إقرأ فيما يلي:
حفر أصحاب الإمام (عليه السلام) حول الخيمة في كربلاء خندقا وملأوه نارا حتى يكون الحرب من جهة واحدة، فعلق ملعون من أصحاب عمر بن سعد هاتفا: عجلت يا حسين بنار الدنيا قبل نار الآخرة.
فقال الحسين (عليه السلام): " تعيرني بالنار وأبى قاسمها وربى غفور رحيم "، ثم قال لأصحابه:
" أتعرفون هذا الرجل "؟
فقالوا: هو جبيرة الكلبي (لعنه الله).
فقال الحسين: " اللهم احرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة ".
فما استتم - الحسين - كلامه حتى تحرك جواده فطرحه مكبا على رأسه في وسط النار فاحترق، فكبر أصحاب الحسين (عليه السلام)، ونادى مناد من السماء: هنيت بالإجابة سريعا يا ابن رسول الله. (1) هذه واحدة من معاجز الحسين (عليه السلام) ورده المناسب للموقف من ذلك الرجل المتعجرف بين تلك الجموع المترقبة.
* الدروس المستفادة هنا:
1 - الردود المناسبة تصنعها أخلاق الفرد المؤمن في إطار حكمته وضروراته.
2 - الحليم يعفو، ولكنه لأجل فائدة أهم قد يرجح الانتقام المقدس، وهذا مالم يستطعه إلا ذو علم وأخلاق رفيعين.

1 - ينابيع المودة: 410. (تصرف) في الألفاظ.
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»