مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٢٠
وامر بافتعال الأحاديث في شان عثمان واكرام من يروى في فضله، حتى أكثروا في فضائله لما كان يبعث إليهم من الصلات والقطائع، فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة الا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا فكتب إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهر وفشا في كل مصر وكل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفا الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبى تراب الا وآتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلى وأقر لعيني وادحض لحجة أبى تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أحاديث كثيرة في مناقب الصحابة مختلقة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، والقى إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شا الله.
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراوون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا في مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا انها باطل لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الامر كذلك حتى قتل الحسن بن علي عليه السلام بالسم ظلما، فازداد البلا والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد على الأرض، ثم
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»