والآية الكريمة تدل على اختصاص الإرادة المذكورة فيها بأهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم، فلا تكون الإرادة إلا الإرادة الحتمية التي يتبعها التطهير لا محالة.
وأيضا لا ريب في أن هذا التعبير الصريح في اختصاصهم بهذه الإرادة صريح في المدح والتعظيم لأهل البيت (عليهم السلام)، وإذا كانت الإرادة غير حتمية لا مدح لهم بها، ويختل نظام الكلام المنزه عنه كلام العقلاء فضلا عن الله تعالى.
وعليه لا مناص من القول بأن المراد منها هي الإرادة المستتبعة للتطهير وإذهاب الرجس.
وبذلك يدفع توهم شمول الآية لغير أهل البيت (عليهم السلام) ممن ثبت عدم عصمتهم كأزواج النبي (صلى الله عليه وآله).
ومما يدل على أن الإرادة هي الإرادة الحتمية أن متعلق الإرادة في الآية إذهاب الرجس عنهم الذي هو فعل الله تعالى، والإرادة التي تتعلق بفعله تعالى حتمية لا تتخلف عن المراد، ففرق بين ما يكون المراد فعله تعالى، وبين ما يكون فعل الغير المختار، فإذا كان متعلق الإرادة فعل غيره المختار يصح أن تكون هي التشريعية كما يجوز أن تكون التكوينية، وإن كان الظاهر من موارد الاستعمالات بلا قرينة صارفة هو الأولى.
وإذا كان متعلق الإرادة فعل الله تعالى أو صدور الفعل عن غيره المختار بدون اختياره تكون الإرادة حتمية لا تتخلف عن المراد، وإلا لزم إسناد العجز إلى الباري سبحانه وتعالى شأنه المنزه عن كل عجز ونقص، والمتعالي عن ذلك علوا كبيرا.
ولا يخفى عليك أن في الآية ضروبا من التأكيد من المدح والتعظيم لأهل البيت (عليهم السلام) كما يدل قوله (تطهيرا) أيضا على عظم شأن هذا التطهير.
إن قلت: على هذا: إذا كان إذهاب الرجس عنهم بفعل الله تعالى وإرادته الحتمية كيف يوجه مدحهم، وتفضيلهم على غيرهم لأمر لم يكن من فعلهم ولا باختيارهم؟
قلت: إن عنايات الله الخاصة، بل والعامة لا تشمل إلا من له قابلية قبولها، وهو عز وجل أعلم بمحالها ومواردها. قال الله تعالى (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم) (1) وقال جل شأنه (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (2)