مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣١
وإن أبى المعاند عن كل ذلك أيضا، وقال: إن الإرادة التشريعية عامة تشمل جميع المكلفين المطيعين والعاصين على السواء، قلنا: لا تنازع في الألفاظ والأسماء والاصطلاحات، وقد قيل من قديم لا مشاحة في الاصطلاح، فعرف الإرادة التشريعية بما شئت، وقل إن الإرادة التشريعية هي جعل ما يصلح لأن يكون داعيا للعبد أو زاجرا، وإنشاء ماله قابلية الداعوية وبعث العبد نحو الفعل أو الترك.
إلا أنك تعلم أن هذا مجرد اصطلاح، ولا يحصر مفهوم الإرادة في ذلك، ولا ينفي ما هو واقع الأمر، وهو أن المولى إذا علم من حال عبده أنه ينبعث بأمره ويتحرك بإرادته التشريعية يطلب منه ما أمره به بالطلب الحقيقي وبالإرادة الجدية، وإذا علم من حاله أنه لا ينبعث بذلك ولا يؤثر أمره ونهيه في تحريكه أو امتناعه، لا يطلب منه ما أراده بالإرادة التشريعية حقيقة، ولا يدعوه نحو فعل ما أمره به بداعي أن يفعله، بل يدعوه بداعي أن يتم عليه الحجة، وهذا ما نسميه بالأمر الصوري، ومن راجع وجدانه يعرف منه ذلك.
بل يصح أن نقول: إن إطلاق الإرادة على التشريعية إطلاق مجازي بخلافه على الإرادة الجدية فإنه إطلاق حقيقي.
وبالجملة فهل يمكنك إنكار الإرادة الجدية بالمعنى الذي تلوناه عليك؟ وهل يمكنك أن تقول إنها تتعلق بما لا تؤثر الإرادة التشريعية في الانبعاث نحوه؟ وهل يمكنك إنكار تعلقها حقيقة بالانبعاث، وبوقوع الفعل عن العبد إذا كان الأمر والطلب والإرادة التشريعية مؤثرا في بعث العبد أو زجره؟ وهل يمكنك أن تقول بعد ذلك بظهور الإرادة المذكورة في الآية في الإرادة التشريعية، دون الإرادة الجدية، مع عدم وجود قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، ووجود الشواهد في الكلام على أن المراد بالإرادة هي الجدية.
وإن شئت فقل إن الإرادة على قسمين: جدية وتشريعية، فالتشريعية عبارة عن طلب التكاليف عن جميع المكلفين على السواء بإنشاء ما يصلح أن يكون داعيا لهم، والحكم بما ينبغي أو يجب أن يفعل، أو لا يفعل، والجدية على ضربين: تكوينية
(٣١)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 35 37 38 ... » »»