ثم إن من جميع ذلك يظهر أن لاوجه لإلحاق الاستخارة بالقرآن المجيد وبحبات السبحة، بالاستقسام بالأزلام لوجود الفرق بين الاستقسام بالأزلام وبين الاستخارة.
فإن حقيقة الاستقسام على القول الأول الذي ظهر لك ضعفه، يرجع إلى الشرك، واستعلام ما يكون في المستقبل، وطلب معرفة الخير والشر من الأصنام. والاستخارة حقيقتها، الدعاء، وطلب الحاجة، ومعرفة الخير من الله تعالى علام الغيوب.
والفرق بينهما، هو الفرق بين الشرك والتوحيد، مع أنه ليس في الاستخارة طلب معرفة ما يقع في مستقبل الحياة مثل الموت والمرض ووجدان الضالة وغيرها مما يكون مآله طلب معرفة الغيوب.
وإنما يستفاد منها إذا كان مؤداها الخير، أن الأمر كيف وقع، ووقع أم لم يقع، يكون فيه الخير، وأن ما يقع هو أصلح الأمرين أو الأمور. ومثل هذا إنما يؤثر في الإقدام على الفعل أو تركه، ولهذا ورد النهي عن التفأل بالقرآن دون الاستخارة به. فإن التفأل إنما يكون فيما سيقع كشفاء المريض وقدوم المسافر وغيرهما، بخلاف الاستخارة، فإنها طلب لمعرفة الرشد وما فيه الخيرة.
فعلى هذا، الاستخارة بالقرآن الكريم وبالسبحة، ليست مخالفة للكتاب، ولا مانعا من هدايته وإرشاده للتي هي أقوم، ولو قلنا بالقول الأول في تفسير الاستقسام. وأما بحسب القول الثاني والثالث، فلا ارتباط بين الاستقسام والاستخارة أصلا، ولاوجه لإلحاقها به.
وبعد ذلك، فلا بأس بذكر بعض ما ورد في الاستخارة من الأحاديث فنقول: دلت الروايات من طرق العامة على استحباب الاستخارة ومطلوبيتها:
فمنها: ما أخرجه أحمد والبخاري وغيرهما من أرباب السنن والمسانيد عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك) الحديث.