صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٢
(عليه السلام) قد أعدها للكرة على جنود الشام قبيل وفاته - وكانت تعد أربعين الف مقاتل - قد انفرط عقدها وتمرد أكثرها، وتثاقل معها أكثر حملة السلاح في الكوفة عن الانصياع للامر.
وكان المذبذبون من رؤساء الكوفة، أشدهم نشاطا في اللحظة الدقيقة التي أزفت فيها ساعة الجد.
قالت النصوص التاريخية فيما ترفعه إلى الحارث الهمداني كشاهد عيان: " وركب معه - أي مع الحسن - من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا وبما وعدوا، وغروه كما غروا أمير المؤمنين من قبله.. وعسكر في النخيلة عشرة أيام فلم يحضره الا أربعة آلاف. فرجع إلى الكوفة، ليستنفر الناس، وخطب خطبته التي يقول فيها: قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي.. (1) ".
أقول: ثم لا ندري على التحقيق عدد من انضوى اليه - بعد ذلك - ولكنا علمنا أنه " سار من الكوفة في عسكر عظيم " على حد تعبير ابن أبي الحديد في شرح النهج.
وسنأتي في فصل " عدد الجيش " على غربلة أقوال المؤرخين لاختيار القول الفصل في عدد جنود الحسن عليه السلام.
وغادر النخيلة وبلغ " دير عبد الرحمن " فأقام ثلاثا، والتحق به عند هذا الموضع مجاهدون آخرون لا نعلم عددهم.
وكان دير عبد الرحمن هذا مفرق الطريق بين معسكري الامام في المدائن (2).

(١) الخرايج والجرايح (ص ٢٢٨ - طبع إيران).
(٢) وهي العاصمة الساسانية التي بلغت من العمر الف سنة. وكانت وريثة بابل في عظمتها ولم يبق من آثارها اليوم الا طاق كسرى، ومرقد الصحابي العظيم (سلمان الفارسي) رضي الله تعالى عنه. وكانت سبع مدن متقاربة تتقابل على ضفاف دجلة. فتحها المسلمون سنة ١٥ هجري وكانت إذ ذاك عاصمة الشرق الفارسي كله، ففي الجانب الغربي سلوقية، ودرزجان وبهرسير، وجند يسابور " كوكه " في ناحية (مظلم ساباط) المتصلة بنهر الملك. وفي الجانب الشرقي اسفانبر، ورومية، وطيشفون (وهي أم الطاق).
وكان لابد من مرور أكثر من مائة عام قبل ان تندثر المدائن نتيجة لانشاء بغداد سنة ١٥٠ هجري. وفي خلال تلك الفترة كانت تغذي الكوفة بصناعاتها وكنوزها ومحصولاتها، وذلك بارسالها الموالي من الفرس إليها وقد صاروا مسلمين.
وكانت المدائن منذ العهد الذي وليها فيه سلمان الفارسي تتشيع لآل محمد (ص) وكانت لا تزال في القرن السابع الهجري قرية لا يسكنها الا شيعة متحمسون.
وذكرها المسعودي عند ذكره العراق فقال: " ومدنه: المدائن وما والاها ولأهلها أعدل الألوان وأنقى الروائح وأفضل الأمزجة وأطوع القرائح وفيهم جوامع الفضائل وفرائد المبرات.. ".
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»